ويقول الحافظ ابن حجر () بعد أن أورد الأحاديث التي تكلم فيها الحافظ العراقي وهي تسعة أحاديث قال: "فإن الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شيء من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام، فالتساهل في إيرادها مع ترك البيان لحالها سائغ.
وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا: إذا روينا في الحلال والحرام شدّدنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا، وهكذا حال هذه الأحاديث، فالأول منها: يدخل في أدب التسمية وفيه إخبار عن بعض الأمور الآتية، ولهذا أورده في دلائل النبوة، والثاني كالثالث: في الفضائل .. " الخ ما قال -رحمه الله تعالى-.
وممن ذهب إلى جواز استعمال الحديث الضعيف في الفضائل النووي في التقريب، ونقل بعض العلماء أن النووي نقل الإجماع على هذا، ولكن هذا الإجماع غير مُسلّم بعد ثبوت الخلاف في ذلك.
وممن ذهب إلى العمل بالحديث الضعيف في الفضائل السخاوي وابن عديّ في مقدمة كتابه الكامل، حيث عقد لجواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل باباً مستقلاً وذكر في بحثه أن سفيان الثوري وابن عيينة وعبد الله بن المبارك ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم يقولون بهذا -والله أعلم-.
وأما ما نقله المؤلفان عن ابن حزم -رحمه الله- حيث يقول: "وليس لدى المخالف لهذا القول () أي دليل من الكتاب والسنة اللهم إلا بعض العبارات التي تنقض قولهم بأنه فهم خاطئ لعبارة منسوبة إلى ثلاثة جهابذة من كبار أئمة الحديث، وهم عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل، وعبد الرحمن ابن مهدي، فقد رُوي عن هؤلاء الثلاثة قولهم: إذا روينا في الحلال والحرام تشدّدنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا" أ. هـ.
وجواب ذلك أما قول الشيخ ابن حزم -رحمه الله- أنه فهم خاطئ، فجوابه: أنه ليس الأمر كما قال حيث أن الأئمة أثبتوا ذلك كابن حجر وابن عدي كما تقدم النقل عنهم في ذلك وغيرهم من الأئمة.
وقول ابن حزم -رحمه الله- "فقد رُوِي عن هؤلاء الثلاثة إلخ".
أقول والتعبير برُوِيَ إشارة من ابن حزم -رحمه الله- بتضعيف هذا النقل وهذا غير مسلم فقد صحح هذا النقل ابن حجر وابن عدي وابن الصلاح وغيرهم من الأئمة المعتبرين.
وهكذا ما نقله المؤلفان -حفظهما الله- عن العلامة أحمد شاكر إن قصد هؤلاء الأئمة إنما هو الحديث الحسن فهذا غير مسلم للعلامة أحمد شاكر لثلاثة أمور:
1 - أنه لو كان الأمر كذلك لما جاز التساهل في الحديث الحسن وهم قالوا: (إذا روينا في الفضائل تساهلنا) وأقول إن الحسن كالصحيح في وجوب العمل به، فكيف يسوغ لهؤلاء الأئمة أن يتساهلوا في الحديث الحسن؟!
2 - إن هذا الفهم من الشيخ أحمد شاكر لم يعزه إلى أحد من أهل العلم الذين نقلوا هذه الأقوال عن هؤلاء الأئمة ولم يوضح لنا من سلفه في هذا النقل.
3 - إن العلماء الذين نقلوا الأقوال عن هؤلاء الأئمة إنما بينوا أن مقصد هؤلاء الأئمة الحديث الضعيف، وهذا هو قول ابن حجر وابن عدي وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي.
وأرى أنني قد أطلت في هذا الحديث.
ولا يظن ظانٌّ أنني أريد أن أثبت في هذا البحث جواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل، وإنما أردت أن أوضح أن هذه المسألة من الخلافيات بين الأئمة، فليس هناك وجه لأن يتحامل المؤلفان في هذه المسألة على جماعة التبليغ لأن ما قاله المؤلفان بأن الجماعة يرون الاحتجاج بالحديث الضعيف قد ثبت فيما سبق بطلانه.
ويتابع المؤلفان بحثهما فيقولا: "وهذه من السبل التي اتبعها جماعة التبليغ كاستدلالهم بالكثرة واحتجاجهم بالرؤيا مما أدى إلى فساد تصورهم الإسلامي" .. إلخ ما قالا.
وجواب ذلك: أن المؤلفين اشترطا على أنفسهما القاعدة "إن كنت ناقلاً فالصحة وإن كنت مدعياً فالدليل" فأنا أُلزِمُ المؤلفين بما اشترطا على أنفسهما فأين وجد المؤلفان ذلك وعمن نقلوه؟
ولقد سألت الشيخ زين العابدين عن الرؤيا وهل يؤخذ بها؟ فقال: إذا وافقت الشرع فقط".
وقول المؤلفين: "وليكن معلوماً لدى الجميع أن الخلافة الراشدة تعود قبل ظهور المهدي وليس كما يعتقد بعض الناس وتزعم بعض الجماعات الإسلامية -مثل جماعة التبليغ- إن الخلافة يرجعها المهدي وهم ينتظروه، فإن هذا ما لا دليل عليه بل هو وهمُ فَرَضٍ وتخمين". وهذا كسابقه فأين النقل؟!
¥