تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالنصير الطوسي الذي يلقبه المجلسي بالمحقق (المتوفى سنة 672ه‍) أنكر وجود البداء كعقيدة للاثني عشرية وقال عن طائفته: "إنهم لا يقولون بالبداء، وإنما القول بالبداء ما كان إلا في رواية رووها عن جعفر الصادق أنه جعل إسماعيل القائم مقامه، فظهر من إسماعيل ما لم يرتضه منه، فجعل القائم موسى فسئل عن ذلك فقال: بدا لله في أمر إسماعيل، وهذه رواية، وعندهم أن خبر الواحد لا يوجب علمًا ولا عملاً" [الطوسي/ تلخيص المحصل: ص250.].

ولكن هذا – كما ترى – مخالف للواقع؛ إذ إن البداء من عقائدهم المقررة، ورواياتهم وأخبارهم فيه كثيرة، ولذلك قال المجلسي بأن هذا الجواب عجيب من الطوسي، وعزا ذلك «لعدم إحاطته بالأخبار" [بحار الأنوار: 4/ 123.].

وصنف من الشيعة يقر بالبداء كعقيدة ويحاول أن يجد له تأويلاً مقبولاً.

فابن بابويه القمي يوجه "أحاديثهم" في البداء توجيهًا «تبدو» عليه ملامح الاضطراب، فهو في البداية يقول: "ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء ثم يعدم ذلك الشيء ويبدأ بخلق غيره" [التوحيد: ص335.].

فأنت ترى أن حديثه هنا خارج الموضوع تمامًا لأنه تكلم عن البدء لا البداء ولا يخالف مسلم في هذا الأمر الذي يقوله، ولو كان هذا مقصودهم بالبداء لما أنكره عليهم أحد، ولما وجدوا فيه مخرجًا لتناقض رواياتهم، وتخلف وعودهم.

فالله سبحانه: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ} [السجدة، آية: 7.] وهو {يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [يونس، آية: 4.]، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} [القصص، آية: 68.] وليس هذا من البداء.

ولكنه رجع وفسر البداء بالنسخ، فقال بعد الكلام السابق مباشرة: "أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله، أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرايع، وتحويل القبلة، وعدة المتوفى عنها زوجها" [التوحيد: ص335.].

وهذا جهل أو تجاهل؛ إذ لا بداء في النسخ، والحكم كان مؤقتًا في علم الله، وأجل الحكم، وانتهاء الحكم عند حلول الأجل معلوم لله قبل الحكم. نعم بدا لنا ذلك من الله بعد نزول الناسخ، والبداء لنا في علمنا لا لله [الوشيعة: ص183.].

"من أجل ذلك تنزه الله سبحانه عن أن يوصف بالبداء؛ لأن البداء ينافي إحاطة علم الله بكل شيء، ولم يتنزه عن النسخ؛ لأن النسخ لا يعدو أن يكون بيانًا لمدة الحكم الأول على نحو ما سبق في علم الله تعالى، وإن كان رفعه لهذا الحكم بداء بالنسبة لنا" [مصطفى زيد/ النسخ في القرآن: 1/ 20.]. "فإن الله سبحانه قدر في علمه الأزلي لكل حكم ميقاتًا وزمانًا معلومًا فإذا انتهى زمانه حل محله حكم آخر بأمره ونهيه سبحانه، فليس فيه تغيير في علمه الأزلي" [محمد أبو زهرة/ الإمام الصادق: ص241.]. قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة، آية: 106.].

وقد شنع عبد القاهر البغدادي على الشيعة؛ حيث "جعلت النسخ من قبيل البداء فزعمت أنه إذا أمر سبحانه بشيء ثم نسخه فإنما نسخه لأنه بدا له منه" [الملل والنحل: ص52.].

وقد تمادت الشيعة في هذا الغي، وساق صاحب البحار بعض الروايات المنسوخة واعتبرها من قبيل البداء [بحار الأنوار: 93/ 83 - 84.]، مع أنه لا صلة للنسخ بالبداء [راجع أيضًا في التفريق بين النسخ والبداء والرد على أوهام الرافضة واليهود في عدم التفريق بينهما: الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس: ص44، المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري: 1/ 368 - 369، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي: ص98 - 99، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم: 4/ 68 - 69، الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 3/ 109 - 112، دراسات الأحكام والنسخ في القرآن/ محمد حمزة: ص59.].

ثم إن ابن بابويه عاد في نهاية توجيهه لعقيدة البداء إلى القول بأن البداء "إنما هو ظهور أمر، يقول العرب: بدا لي شخص في طريقي أي: ظهر. قال الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر، آية: 47.] أي: ظهر لهم، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره. ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره" [التوحيد: ص336.].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير