تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15 - 17]. أَوَلم يكن العرب ضُلاّلاً فهداهم الله بهذا الإسلام؟! أولم يكونوا عالَة فأغناهم الله من فضله بهذا الدين؟! أَوَليس من دين الإسلام تُستمد الأحكام وتسن القوانين؟! أَوَليست به تستقيم الأحوال وتصلح الأوضاع؟! بلى والله، إنه لكذلك وفوق ذلك.

إن شؤون الأمة فردية كانت أو اجتماعية وأوضاعها مادية أو معنوية وعلاقاتها محلية أو دولية وأحوالها سلمية أو حربية كلها مضبوطة بشرع الله محكومة بدينه، موزونة بكتابه مربوطة بوحيه، ليس لهذه الأمة رصيد أغلى من هذا الدين، وليس لها قيام دون هذا الإسلام، وجودها مرتبط بوجوده، وفناؤها راجع إلى التقصير فيه، تعيش عزيزة ما تمسكت به وعضّت عليه بالنواجِذ، وترجع ذليلة ما تهاونت به ورضيت غيره. حَرِيّ بالأمة وهي تعيش خضم هذه الأحداث المتلاحقة أن تتحسّس موقعها وتعرف موقفها؛ لئلا تضل السبيل فتهلك، وجدير بها وهي تواقع هذه المتغيرات المتسارعة أن تتلمّس دربها وتحدد طريقها؛ لئلا تبقى في مؤخرة الركب وأعقاب الأمم.

إن أمة الإسلام هي خير أمة أخرجت للناس، جعلها الله أمة وسطًا ليكونوا شهداء على الناس، وهذه الوسطية وتلك الخيرية تتأكدان في دينها العظيم القويم الذي حارب الشرك وما يفضي إليه، وفضح الانحرافات اليهودية والنصرانية، ذلك الدين الخاتم الكامل الذي لا يقبل التجزئة ولا يرضى التفريق، كمال في التوحيد والعقيدة والنبوات، وشمول في القضاء والقدر والبعث والنشور، إيمان بكل ما جاء به القرآن الكريم، وتصديق بكل ما صح به النقل عن النبي المعصوم. الخيرية والوسطية في هذا الدين تظهران في تمام العبادة وشمولها، حيث رسمت حدودها وحدت صفاتها، ونبه على أركانها وشروطها، ومنع من الإحداث والابتداع فيها: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وفي الحديث: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون، لقد حفظ هذا الدين لهذه الأمة خيريتها ووسطيتها، حفظ الأنفس والأموال، وصان الدماء والأعراض، حد الحدود وشرع التعازير، وأخذ على يد الظالم وحارب الجريمة، نشر الفضيلة وفضح الرذيلة، وعظم أمر العفاف والحياء، أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، أوجب الصدق والأمانة، وحث على الصبر والوفاء، وأمر بالتعاون على البر والتقوى، كل ذلك في نظر شامل لكل مناحي الحياة ومعاملاتها وعاداتها، في أصول عامة محكمة ونظم شاملة مفصلة، وحوت آداب الإسلام فيما حوت من أجل هذه الخيرية وتلك الوسطية، حوت آداب الأكل والشرب والنوم واليقظة، وحددت ضوابط اللباس والزينة والدخول والخروج، وجاءت بآداب المشي والجلوس والتحية واللقاء، وضعت أصولاً للزيارة والاستئذان، وسنّت أدبًا للحديث وحقًّا للطريق. غايتها في ذلك تهذيب البشرية ومناهضة النزعات الشيطانية وتوضيح الفرقان بين الحق والباطل.

أما المسلمون أتباع الإسلام فهم أولياء الله وأحباؤه، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله. هم خير أمة أخرجت للناس، يحمدون الله في السراء والضراء، ويذكرونه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، أناجيلهم في صدورهم، رهبان بالليل فرسان في النهار، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، هم الآخرون في الدنيا السابقون يوم القيامة، غايتهم ومقصدهم إخراج الناس من الظلمات إلى النور، إخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة. وهم لذلك مسؤولون عن حماية الحق ونشر الفضائل الكريمة، مطالبون بإقامة المثل العليا وترسيخ المبادئ السامية. وهذا الحق الذي معهم يدعون إليه ويدافعون عنه، وذلك الخير الذي جعله الله لهم ووصفهم به محفوظ لهم ما استقاموا على الطريقة واستكملوا الشروط المهمة، باق لهم ما بقوا على العهد ولم ينقضوا الميثاق. والله سبحانه ناظر كيف يعملون، مطلع على ما يُبْرِمُون، وكل من ظلم وخالف فلن يفلت من سنة الله في الظالمين، إِنَّ اللَّهَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير