تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فاتقوا الله ربكم أيها المسلمون، واستمسكوا بدينكم، وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، أقيموه في أنفسكم وأهليكم وسائر جوانب حياتكم , وعودوا إلى ربكم وتوبوا إليه لعلكم تفلحون، واعلموا أن المستقبل بإذن الله لهذا الدين، والنصر بأمر الله لهذا الإسلام، فمهما احْلَوْلَكَت الظلمة وغابت شمس الحقيقة إلا أنها ستشرق على الدنيا في يوم ما، وسيصفو الجو الذي طالما تكدّر، وسيتبدّد الظلام الذي طغى وانتشر، ستبدو رايات الإسلام عالية خَفّاقة، وستختفي زعامات الباطل مغلوبة مدحورة، وسيظهر الحق ويزهق الباطل، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81].

فلا تَحسبوا أنَّ الهمومَ مُقِيمةٌ رُوَيدًا فإنّ اللهَ بالخلق أَبْصَرُ

ستؤخذ ثاراتٌ وتُقضَى حوائجٌ وتبدو إشاراتٌ وتُقْصَمُ أَظهرُ

وتُطْمَس من شأن الأعادي بَوَارِزٌ ويظهر سرّ الله والله أكبرُ

أما أعداء الأمة ـ أيها الإخوة ـ فإنهم مخذولون مهزومون، وخبر الله فيهم لا يتخلف: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى [آل عمران:111]، إنه ضر لا يؤدي إلى هدم كيان الأمة ولا إلى اضمحلالها، إنه ضمان قرآني حق، وخبر إلهي صدق: وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ [آل عمران:111]، إنها بشارات كريمة مشروطة بمحافظة الأمة على دينها: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]. فهل يهتدي المسلمون إلى العروة الوثقى ويعرفون كيف المُعْتَصَم؟! هل يهجرون السَّنَن ويتبعون السُّنَن؟! هل يرجعون عن اتباع السُّبُل ويتبعون السبيل؟! إن الأمل ما زال فيهم كبيرًا، وإن المسؤولية عليهم لعظيمة، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ [النور:55 - 57].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

الخطبة الثانية

أما بعد: فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ وأطيعوه، وراقبوا أمره ونهيه ولا تعصوه، واعلموا أنه لا أحسن دينًا ولا أشد تمسّكًا ولا أكمل إيمانًا ولا أتم يقينًا ممن أسلم وجهه لله وسلّم لأوامره ونواهيه، إذا قضى الله ورسوله أمرًا لم يتردد في تنفيذه وتطبيقه، وإذا بلغه نهي أو تحريم لم يتأخر عن اجتنابه والبعد عنه، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125]، وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [لقمان:22].

ألا فاتقوا الله جميعًا ـ أيها المؤمنون ـ لعلكم تفلحون، وسلموا لأوامر الله واجتنبوا نواهيه، ولا تقولوا: نؤمن ببعض ونكفر ببعض، فإن الدين كلٌّ لا يتجزّأ، ووحدة لا تتفرّق، ليس ترك شيء من أوامره أو الوقوع في آخر من مناهيه هيّنًا ويسيرًا.

أيها المسلمون، إنكم في يوم عظيم سماه الله يوم الحج الأكبر، تتلوه أيام معدودات عظيمة، فعظموها بطاعة الله وذكره، وأكثروا من حمده وشكره، ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30]. ضحّوا وطيبوا نفسًا بضحاياكم، واذكروا الله على ما رزقكم وأن هداكم، فإنه ما عُبِد الله في يوم النحر بمثل إراقة دم الأضاحي، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، واعلموا أن الذبح ممتد إلى غروب الشمس من ثالث أيام التشريق، وأنه يشرع في هذه الأيام التكبير المقيد في أدبار الصلوات المكتوبة، فكبّروا وارفعوا به أصواتكم، وأحيوا سنة نبيكم نَضَّرَ الله وجوهكم، واحرصوا على حضور صلاة الجمعة هذا اليوم ولا تتركوها، فإنه وإن جاز لمن حضر العيد أن يترك الجمعة إلا أنه حرمان عظيم وخسارة فادحة أن يبقى الرجل ليس بينه وبين الجامع إلا خطوات معدودة أو إلا أن يركب سيارته لمسافة قريبة ثم يترك مع ذلك صلاة الجمعة اكتفاء بصلاة العيد، ألا فاحرصوا على شهود الجمعة رحمكم الله.

وصلوا وسلموا على خير الورى وأفضل من وطئ الثرى ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير