تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 02:28 ص]ـ

الخطبة الأولى

أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله جلّ وعلا في السر والعلن، وطاعته سبحانه في المنشط والمكره، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:20 - 25]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال:27 - 29].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون، مما لا شك فيه أن كل مسلم صغيرًا كان أو كبيرًا يعلم لماذا خلقه الله وأعطاه سمعًا وبصرًا وعقلاً، ولأي شيء أوجده على هذه الأرض وسخّر له ما فيها جميعًا، ولو سألت المسلمين جميعًا: لماذا خلقكم الله؟ لأجابوا بفم واحد وبلا تردّد: لقد خلقنا الله لعبادته وأوجدنا لطاعته، حيث قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، ولكنك لو تفكرت بعد ذلك بعين البصر والبصيرة في مجتمعات المسلمين، نعم، لو تفكرت في مجتمعات المسلمين ـ ولا أقول: في غيرها ـ لوجدت الشرك الأكبر والكفر البواح في بعضها منتشرًا، ولألفيت الكبائر والموبقات فيها فاشية، دع عنك المعاصي الصغيرة ومحقرات الذنوب، فقد أصبحت عند كثير من الناس كالطعام والشراب، أو كالضرورة التي لا بدّ له منها، يأكلها ويشربها ليلاً ونهارًا، ويتنفسها ويسمعها سرًا وجهارًا، ويمتّع بها بصره بكرة وعشيًا. منكرات ومحدثات لم تكن معهودة، أصبحت في سُنَيَّات معدودة من المألوفات، شَبّ عليها الوليد، واستمرأها الشاب، وسكت عنها الكهل، ولم ينكرها الشيخ، مما ينذر بالخطر ويوحي بالعقوبة.

ولو أننا ـ إخوة الإيمان ـ تأملنا العقوبات التي عاقب الله بها الأمم السابقة من لدن آدم عليه السلام إلى آخر أمة عاقبها الله لوجدنا أنها جميعًا بسبب الذنوب والمعاصي، نعم أيها المسلمون، بسبب الذنوب والمعاصي، فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40]، إنها القاعدة الربانية التي لا تتبدل والسنة الإلهية التي لا تتغير: فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ، وما زالت تلك السنة ماضية إلى يوم القيامة، لا تتخلف عمن استحقها ولا تتأخر، وإلا فما الذي سلط بعض المسلمين شعوبًا وأفرادًا على بعض حتى أصبح التقاتل والتنافر بينهم شيئًا مألوفًا لا يُستَغرب؟! وما الذي أعاد الكَرَّة عليهم حتى اغتصب اليهود ديارهم وأموالهم ومقدساتهم وصارت قوى الكفر تهددهم ليل نهار وتملي عليهم أوامرها وتعليماتها فأصبحوا أذل أمة بعد أن كانوا أعز أمة؟! بل ما سبب نزع البركات وقلة الخيرات في الآونة الأخيرة؟! أليست هي الذنوب والمعاصي؟! بلى والله، إنها الذنوب والمعاصي، ولكن أكثر الناس في زماننا هذا لا يعلمون، حيث ظنوا إذ لم يروا العقوبة في الحال، ظنوا أنها لن تنالهم بعد ذلك، وأنهم قد عفي عنهم وغفر لهم، وما علموا أن العقوبة تأتي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير