تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سبحانه: فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:77]، لقد كان الجزاء أن أعقبهم الله نفاقًا مستحكمًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه، وحكم عليهم بسوء الخاتمة وبئس المصير. وإنها لعقوبة بالغة الخطورة أن يملَى لك في الدنيا ويمد لك فيها، تقترف المعاصي وتواقع الذنوب، ثم يختم لك بخاتمة السوء عند موتك، وتوافى في موقف الحشر بكل جرائمك وموبقاتك، وتحاسب على ما اقترفت من الكبائر وتؤخذ بها.

ألا فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ لعلكم ترحمون، واحذروا المعاصي والذنوب لعلكم تنجون، وتوبوا إلى الله جميعًا ـ أيها المؤمنون ـ لعلكم تفلحون.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

الخطبة الثانية

أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، تمسكوا بها وحققوها، وتخففوا من الدنيا وطلقوها، وزكوا أنفسكم وتخلصوا من الهوى، فقد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون، إن الله سبحانه وتعالى قد جعل هذا الدين القويم ضياءً ونورًا لعباده، يخرجهم به من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]. ولا شك أن سعادة الإنسان في الحياة الدنيا وفوزه ونجاته في الأخرى، لا شك أن ذلك مرهون بتزكيته نفسه وتطهيره إياها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9، 10]. ومما لا مراء فيه ولا جدال أنه لن تزكو النفوس أو تصلح المجتمعات إلا بترك المعاصي والتخلص من الذنوب، ولن تنجو من كل خطر أو مخوف إلا بالعمل بطاعة الله والتقرب إليه سبحانه. أما إذا رأيت عقول الناس ـ كما هو شأنها اليوم ـ تؤثر الفاني على الباقي فاعلم أنها قد مسخت، ومتى رأيت قلوبهم قد ترحّل عنها حب الله والاستعداد للقائه وحل فيها حب المخلوق والرضا بالدنيا والطمأنينة بها وبما فيها من معاص وشهوات فاعلم أنها قد خسف بها، ومتى أقحطت العيون من البكاء من خشية الله فاعلم أن قحطها من قسوة القلوب، وإن أبعد القلوب من الله تعالى القلب القاسي.

ولذا كان لزامًا على كل عبد ناصح لنفسه يرجو النجاة والفوز يوم الحسرة أن يسعى لتزكية نفسه وتطهيرها، وأن يقوم على من تحت يده بالتربية الإسلامية الصحيحة، وأن يقسرهم على الحق قَسْرًا، وأن يأطرهم على اتباعه أَطْرًا، عليه أن يُلزِمهم بأداء الصلوات واجتناب الشهوات ومصاحبة الصالحين ومجالسة أهل الدين، وأن يمنع عنهم كل ما فيه إفساد لهم أو إبعاد عن طاعة الله، من أصحاب سوء أو أجهزة خبيثة، إنه يجب على كل أب وولي أمر ومسؤول السعي فيما يصلح رعيته، ويدفع عنهم السوء والمضار، قال: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)).

إننا والله ـ أيها الآباء ـ لا نعجب من شابة مسكينة مُغرّر بها، ولا من شاب مراهق يخادعه أهل الباطل ويجتذبونه إليهم بما ينشرونه مما يوافق هوى النفوس، ولكن العجب الذي لا ينقضي أن تظلوا أنتم ـ أيها الأولياء ـ في غفلة مطبقة عما يدور حولكم، بل وفي بيوتكم وعقر دياركم، إذ في وسط تلك البيوت المحافظة وفي ساعات مختلفة من ليل أو نهار تُعرَض الرذيلة على مرأى من أبنائكم وبناتكم وأنتم غافلون، ويُقضَى على الحياء ويُنحر العفاف وأنتم راقدون، عبر أجهزة أنتم الذين اشتريتموها أو رضيتم بها، وتركتم الأبناء والبنات يعبثون بها دون رقيب ولا حسيب.

ألا فاتقوا الله عباد الله، واتقين الله يا نساء المؤمنين، واحذروا المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها، يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الأحقاف:31].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون، إنكم في يوم عظيم سمّاه الله: يوم الحج الأكبر، تتلوه أيام معدودات عظيمة، فعظّموها بطاعة الله وذكره، وأكثروا من حمده وشكره، ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، ضحّوا وطيبوا نفسًا بضحاياكم، واذكروا الله على ما رزقكم وأن هداكم، فإنه ما عُبِد الله في يوم النحر بمثل إراقة دم الأضاحي، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، واعلموا أن الذبح ممتد إلى غروب الشمس من ثالث أيام التشريق، وأنه يشرع في هذه الأيام التكبير المقيد في أدبار الصلوات المكتوبة، فكبروا وارفعوا به أصواتكم، وأحيوا سنة نبيكم، نضَّر الله وجوهكم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير