تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقال هذا الكلام ـ أيها المؤمنون ـ ونحن نرى كثيرًا من الضلالات المهلكة والفتن المضلة قد أصبحت مألوفة عند كثير من الناس في هذا الزمان، حيث واقعوها غير مبالين ولا مستنكرين، وعايشوها غير مهتمين ولا وجلين، دخلت الشياطين كثيرًا من البيوت وعششت فيها، بل باضت وفرخت وكثر نتاجها، وامتلأت الجيوب بالأموال الحرام، وأترعت بطون بما لا يحل، فنبتت على ذلك أجساد كثيرة، وتغذت منه أخرى كانت قد نبتت من حلال، تَرْكٌ للصلوات واتباع للشهوات، وغناء في البيوت وفي السيارات، وموسيقى محرمة في الجوالات، لاحقت الناس حتى في أطهر البقاع وأشرفها، وأفسدت عليهم صلاتهم وأذهبت الخشوع، كلام قبيح تنطق به الألسن، وكذب على الآخرين تتفوه به الأفواه، افتراء على الناس وقذف لهم بما فيهم وما ليس فيهم، قطيعة للأرحام وهجر لذوي القربى، انتصار للنفس وهضم للآخرين، سموم تقذف بها بعض القنوات الإعلامية في بعض البلاد، وتركيز على تغريب المجتمعات المسلمة في أخلاقها ولباسها، وعمل على تشكيك الناس في اعتقادهم الحق، واعتراض على أحكام الله المحكمة، وسخرية بالله وآياته ورسوله، ودعوة للإباحية والانسلاخ من الدين، وتمكين للمنافقين من إعلان ما يحيك في صدورهم، ومجاهرة من المضلين بمقالات الكفر والتشكيك والردة عن الدين، كل ذلك باسم حرية الفكر والمناظرات المحايدة، ومعرفة الرأي الآخر والرأي المعاكس، ونحو ذلك من الإفك والكذب على عقول الرعاع المغفّلين، تنشره جرائد متجرّدة لحرب الحق، ومجلات مشتملة على ما يغضب الرب، ومع ذلك تشترى وتبذل الأموال للاشتراك فيها، وتنصب صناديق استقبالها على الأبواب وأسوار العمارات، تقليعات أفسدت الشباب، وموضات أهلكت النساء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والأدهى من ذلك والأمرّ أن من وقعوا في هذه الموبقات وواقعوا تلك السيئات لم يفكروا يومًا ما أنهم إنما وقعوا فيها وألفوها لهوانهم على ربهم سبحانه، قال الحسن رحمه الله: "هانوا على الله فعصوه، ولو عزّوا عليه لعصمهم"، وصدق رحمه الله، فإن الله عز وجل إذا أحب عبدًا وعلا شأنه لديه دله على كل خير، وسيّره إلى كل بر، وجعله عبدًا ربّانيًّا موفّقًا، لا تنظر عينه إلا إلى ما يصلح قلبه، ولا تسمع أذنه إلا ما تزكو به نفسه، ولا تمشي رجله إلا إلى طاعة، ولا تبطش يده إلا فيما يرضي الله وينصر دينه ويعلي كلمته، في الحديث القدسي: ((قال الله تعالى: وما تقرب عبدي إلي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)).

فانظروا يا أصحاب الذنوب، ويا مدمني المعاصي، يا من قل حياؤكم من الكرام الكاتبين عن الشمال وعن اليمين، يا من تضحكون وأنتم لا تدرون ما الله صانع بكم، يا من تخافون من اطلاع الناس عليكم وأنتم على الذنوب ولا تضطرب أفئدتكم من نظر الله إليكم وأنتم عليها عاكفون، وهو سبحانه المطلع عليكم في كل حال، والله إن استمراركم على حالكم هذه لمن أعظم العقوبات التي أصبتم بها وأنتم لا تشعرون، إذ ليس كل عقوبة لا بد أن تكون ماثلة للعيان، ولا كل مقت من الله لا بد أن يكون ظاهرًا، بل إن هناك عقوبات تدب إلى المعاقبين بخفية، وتسري فيهم على غفلة، والله قد يملي للظالمِ ويمهله ليزداد من الإثم ويحيط به الظلم، ولكن كل ذلك لا يعني أنه قد أفلت من العقوبة، وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [آل عمران:178].

وانظروا ـ عافانا الله وإياكم ـ كيف عاقب الله بعض من لم يوفوا بعهده حيث قال: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [التوبة:75، 76]، فماذا كانت العقوبة يا عباد الله؟! هل احترقت أموالهم؟! لا والله، هل قصمت أعمارهم؟! لا وربي، هل نزلت عليهم قارعة من السماء؟! كلا ثم كلا، هل ابتلعتهم الأرض؟! لم يحصل ذلك، إذًا فما العقوبة التي حلت بهم؟! استمع إلى العقوبة عافاك الله، قال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير