فلنتّق اللهَ عبادَ الله، ولنَعلَم ولتعلَم المرأةُ المسلمة على سبيل الخصوص أنّ عزَّها في حِجَابها. إنَّ الإسلامَ حين شرَع الحجابَ وألزمَ بالحياءِ إنما يصرف المَرأةَ إلى خصَائِصِها ومكانَتِها التي لا يُحسِنها سِواها، ويراعي فطرتها وظروفَها وأنوثَتها، لتمضيَ مع الرّجل في هذا الكَونِ بنِظام بديعٍ، أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ?للَّطِيفُ ?لْخَبِيرُ [الملك:14]، قُلْ ءأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ?للَّهُ [البقرة:140].
وللواهمين والواهِماتِ يُقالُ: إنَّ المَرأةَ في مكانَتِها السَّنيَّة بالتزام آدابِ الحجابِ الشرعيّة والضوابط المرعيّة لا يمنَعها ذلك أن تكونَ في قمّة الحضارةِ والرقيّ والعَطاء والنّماء للمجتمعات وإحراز السَّبق العلميّ والتقدّم الاجتماعيّ والنهوضِ بأمّتها والانتِصارِ لدينِها، وإن اضطُرَّت إلى العمَل فبالضوابِط الشرعيّة في بعدٍ عن الاختلاطِ بالرّجال، وأن لا تكونَ رجلَةً تنازِعهم أقدامَهم وتزاحمهم مناكبَهم، حين ذاك يغيضُ ماؤها ويذهَب بهاؤها، فالحذرَ الحذر من كلّ دعوةٍ نشاز تريد أن تهبطَ بالمرأة من سماءِ مجدِها وأن تنزلها من علياءِ كرامتها وإن بدَت بزخرفِ القَول ومعسول الحديث ودعوَى التقدُّميَّةِ المزعومَةِ والمَدنيّة الزائِفَة والحرّية المأفونة.
وإنّنا إذ نحمَد الله على ما امتنّ به على فتاةِ بلاد الحرمين مِن تمثُّل الحجابِ والوقار والحِشمة لنذكِّرها بالمحافظةِ على مكانتها بين قرينَاتها في سَائر المجتمعات، ونحذِّرها في الوقتِ نفسِه أن تُخدَع ببعضِ الأصواتِ النّشاز أو ببعض الأبواق الناعقة التي تتبجّح بالخروج على شِرعةِ الحِشمة والهديِ والمعروف، وإنّ ما تلَوِّح به تلك الأصواتُ المبحوحة إنما هو مسلَكُ المنهزمين والمنهزِمات أمام بريقِ الحضارة الزائفة، والله عزّ وجلّ يقول: ي?أَيُّهَا ?لنَّبِىُّ قُل لأزْو?جِكَ وَبَنَـ?تِكَ وَنِسَاء ?لْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ ذ?لِكَ أَدْنَى? أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام هذا الدين، وبه نالت هذه الأمةُ الخيرية على العالمين، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]. فمروا بالمعروف أمرًا رفيقا، وانهوا عن المنكر نهيًا حليمًا حكيمًا حقيقًا، فالحسبةُ قوام الدين، وهي صمام الأمان في الأمّة، فكونوا لها أوفياء، وبأهلها أحفياء، حتى لا تغرقَ سفينةُ الأمّة.
حافظوا على الصلوات مع الجماعة، احفظوا حقوق الله وحقوق إخوانكم المسلمين من عباد الله، احفَظوا أقدارَ العلَمَاء، وصونوا أعراضَ أهلِ الحِسبة والدّعاة الفُضَلاء، وأطيعوا أمرَ من وَلاّه الله أمركم، فقد قرن الله أمرهم بأمره سبحانه وأمر رسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].
علَيكم بالصِّدقِ ـ عِبادَ الله ـ والوَفاء بالعهد والأمانة وبرِّ الوالدَين وصِلةِ الأرحام، تراحموا وتلاحموا وتسامحوا، وكونوا عِبادَ الله إخوانًا. احذَروا الربا واحذروا الغِشَّ وقولَ الزور والكذِبَ والخيانةَ، ولا تقرَبوا الزّنا، احذَروا الرّشوةَ، واجتنبوا المخدّرات والمسكِرات. إيّاكم والنّميمةَ والغِيبةَ والظلمَ والتساهُلَ في حقوقِ العِباد، وعليكم بالاعتصام بالكتاب والسنة ولزوم جماعة المسلمين.
هذا وصلوا وسلِّموا ـ رحمكم الله ـ على البشير النذير والسراج المنير كما أمركم بذلك المولى اللطيف الخبير فقال تعالى قولا كريما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين وأشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ...
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 02:44 ص]ـ
الخطبة الأولى
¥