ها هو يوم من أيام الله يطل على المسلمين ببركاته، ويهل على المؤمنين بنفحاته، يوم قال عنه النبي فيما رواه أبو داود: ((إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر))، يوم هو خاتمة العشر الأول من شهر ذي الحجة التي ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله منها.
وإن كانت لنا وقفة مع إخواننا المؤمنين في هذا اليوم فإننا سائلوهم سؤالاً قد يذكر العاقلين، وينبه الغافلين ألا وهو: لماذا هذا العيد؟ ما سبب فرحتنا في هذا اليوم؟
ألا فاعلموا أن عيد الأضحى يشير إلى ما أشار إليه عيد الفطر المبارك، عيد الفطر الذي عظمه الله تعالى لأنه يلي شهرًا مباركًا عظيمًا، أقام المؤمنون فيه العبودية لله من الصيام والقيام، فحق لهم أن يبتهجوا، وبالفرح والسرور يلتهجوا، لأن السعادة كل السعادة أن يكون العبد عبدًا، محققًا للغاية المنشودة والبغية المقصودة مفتخرًا برداء إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
وعيد الأضحى ما جاء كذلك إلا بعد انقضاء عبادة عالمية، من أعظم الشعائر الإسلامية، جاء بعد فريضة من فرائض رب العالمين، وركن من أركان هذا الدين فينبغي لنا أن نقف معكم وقفات خمسًا يتجلى فيها أسباب تعظيم هذا اليوم:
أولاً: هذا العيد إنما هو شكر للمنعم الواحد الأحد الذي وفق عباده المؤمنين إلى حج بيته الحرام، ذلك البيت الذي يعود منه المسلم طاهرًا نقيًا عفيفًا تقيًا، دون معصية كان قد اقترفها، أو كبيرة ارتكبها، فقد روى البخاري ومسلم أن النبي قال: ((من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) وكيف لا وفيه يوم عرفة، الذي أقسم به سبحانه وتعالى لعظمته عندما قال: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ، فالشاهد هو يوم عرفة، والمشهود هو يوم الجمعة. كيف لا ويوم عرفة يوم مغفرة وعتق من النار، فقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة مرفوعًا: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟)).
دعاهم فلبّوه رضًا ومحبة فلمّا دعوه كان أقرب منهم
تراهم على الرمضاء شُعثًا رؤوسهم وغبرًا وهم فيها أسرّ وأنعم
لما رأت أبصارهم بيته الذي قلوب الورى شوقًا إليه تضرَّم
كأنهم لم يتعبوا قط قبله لأن شقاهم قد ترحّل عنهم
وراحوا إلى عرفات يرجون رحمة ومغفرة ممن يجود ويكرم
فيدنو به الجبّار جلّ جلاله يباهي بهم أملاكه فهو أكرمُ
يقول: عبادي قد أتوني محبة وإني بهم برٌّ أجود وأرحم
فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم وأعطيتهم ما أمّلوه وأنعم
ثانيًا: ليتذكر الغافل ويسأل نفسه عن سبب فرحته اليوم؛ بالعيد؟! وأي عيد؟ ليس العيد بلبس الجديد وأكل اللحم والثريد، إنما العيد بطاعة رب العبيد، فليراجع كل منا نفسه وليتذكر الحج الذي أجمع المسلمون على فرضيته، ومن أنكره فقد كفر، ومن تهاون في أدائه فهو على خطر، إذ كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج وهو قادر عليه بماله وبدنه، وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه؟ كيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه العبادة العظيمة وهو ينفق الكثير والكثير من ماله في شهواته ونزواته؟! كيف يغفل ويعتذر عن أداء الحج ولا يغفل عن تعمير البيت بالمتاع والأثاث؟! مع أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، فكيف يتراخى عن أدائه؟! فلعله لا يستطيع الوصول إلى بيت الله الحرام بعد عامه هذا، لذلك نذكّره بقول عمر رضي الله عنه: (فليمت نصرانيًا أو يهوديًا، ليمت نصرانيًا أو يهوديًا، ليمت نصرانيًا أو يهوديًا، رجل قدر على الحج ولم يحج)، فيا قادرًا على الحج بمالك وبدنك كنت رجلاً أو امرأة، جدّد العهد مع الله، واعقِد النية على الحج قبل فوات الأوان.
ثالثًا: في هذا اليوم العظيم يدرك المسلم قيمة تلكم العبادة، الحج، إذ لأجلها شرعت الأضحية التي يتقرب بها إلى الله من حج ومن لم يحج، فالعمل خاص والفرحة عامة، هنا يدرك المسلم عظمة بيت الله الحرام ورفعته، فهو أول بيت وضع للناس، وهو البيت والموضع الوحيد الذي لم يملكه أحد على مرّ الدهور. ثم قِف ـ أيها المسلم ـ متأملا قوله وهو يطوف بالكعبة: ((ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك؛ ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا))، ألا فاعلموا أن المؤمن أعظم حرمة وأعظم رفعة من حرمة بيت الله العتيق.
¥