تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بها من نوّر الله بصيرتَه وطَهّر سريرته، قال تعالى: ?لَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـ?هُمْ فِى ?لأرْضِ أَقَامُواْ ?لصَّلَو?ةَ وَاتَوُاْ ?لزَّكَو?ةَ وَأَمَرُواْ بِ?لْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ?لْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَـ?قِبَةُ ?لأمُورِ [الحج:41].

العيد ـ عباد الله ـ مناسبةٌ للمراجعة الصادقة مع النفس، نتأمَّل فيها حكمةَ الله في قضائه، نتأمَّل قدرتَه وحكمَ آجاله، نتذكَّر إخوةً لنا أو أصدقاءَ أو أقرباءَ كانوا معنا في أعيادٍ مضت، كانوا ملءَ السمع والبصر اخترمتهم المنون، فندعو لهم بالرحمة والمغفرة والرضوان.

لم يكن فرحُ المسلمين في أعيادهم فرحَ لهوٍ ولعب، تُقتحَم فيه المحرَّمات، وتنتَهَك الأعراض، وتشرَّد فيه العقول أو تُسلَب، إنما هو فرحٌ تبقى معه المعاني الفاضلةُ التي اكتسبَها المسلمُ من العبادة، وليسَ كما يظنّ بعضُهم أنَّ غيرةَ اللهِ على حدودِه ومحارمِه في مواسمَ محدّدةٍ ثم تُستبَاح المحرَّمات.

إنَّ يومَ العيد ليسَ تمرّداً من معنى العبوديّة وانهماكاً في الشهوات، كلاَّ، إنَّ من يفعل هذا لا يتمثّل معنى العيدِ بصفائه ونقائه، بل هو في غمٍّ وحزن وخسارة، ذلك أن يومَ العيد هو يومُ طاعة ونعمةٍ وشكر، قال تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

عباد الله، في العيد نسترجع إلى ذاكرتنا معانيَ كثيرةً، وتُرسم أمام أعينِنا صورةُ ذلك النبي الكريم إبراهيم عليه السلام وهو يقود ابنه وفلذة كبده إسماعيل لينحرَه قرباناً لله تعالى، أيُّ امتثال عظيم، وأيُّ طاعة عميقة، وأيُّ يقينٍ ثابت، ذلك الذي تغلّب على مشاعرِ الأبوّة الفطرية، وانطلق وهو ثابت الجنان غيرَ متردِّد ولا كارِه لينفّذَ أمرَ الله: إِنّى أَرَى? فِى ?لْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَ?نظُرْ مَاذَا تَرَى?. ثمّ أيُّ استسلامٍ للقدر، وأيُّ رضا به، ذلك الذي جعل إسماعيلَ يقول لوالده: ?فْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ?للَّهُ مِنَ ?لصَّـ?بِرِينَ [الصافات:102].

إنها ـ عباد الله ـ الطاعة، وإنه الإيمان في أبهى نماذجِه وأوفرِ عطائه.

إنَّ يومَ النحرِ يعيد إلى خواطرنا هذه المواقفَ العظيمة، فهو يومُ الاختبار والابتلاء الذي نجح فيه إبراهيمُ وإسماعيل أيّما نجاح.

يؤكِّد يومُ النحر معنى التضحيةِ إثباتاً للإيمان ودليلاً على العبودية، فالطاعةُ دليلُها التضحية، والإيمان لا يُعرَفُ مداه حتّى يوضَع على المحكّ، سنّة الله في خلقه، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله مدبّرِ الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرّد بالعظمة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أكرمه الله بأفضل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليال.

أما بعد: فالأضحية ـ عباد الله ـ مشروعة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين، وبها يشارك أهلُ البلدان حجاجَ البيت في بعض شعائر الحجّ، فالحجاج يتقرّبون إلى الله بذبح الهدايا، وأهلُ البلدان يتقرّبون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، فضحُّوا ـ أيها المسلمون ـ عن أنفسكم وعن أهليكم تعبّداً لله تعالى وتقرّبا إليه واتباعاً لسنة رسوله.

والواحدةُ من الغنم تجزئ عن الرجل وأهلِ بيتِه الأحياءِ والأموات، والسُّبع من البعير أو البقرة يجزئ عما تجزِئ عنه الواحدة من الغنم، فيجزئ عن الرجل وأهلِ بيتِه الأحياءِ والأموات. ومن الخطأ أن يضحِّيَ الإنسان عن أمواتِه من عند نفسه ويترك نفسَه وأهلَه الأحياء.

ولا تجزئ الأضحيةُ إلا من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم ضأنُها ومعزها لقوله تعالى: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ?سْمَ ?للَّهِ عَلَى? مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ?لأنْعَـ?مِ [الحج:34].

ولا تجزئ الأضحيةُ إلا بما بلغ السنَّ المعتبرَ شرعاً، وهي ستةُ أشهر في الضأن، وسنة في المعز، وسنتان في البقر، وخمسُ سنوات في الإبل، فلا يضحَّى بما دون ذلك لقول النبي: ((لا تذبحوا إلا مسنّة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن)) أخرجه مسلم [1].

ولا تجزئ الأضحيةُ إلا بما كان سليماً من العيوب التي تمنَع من الإجزاء، فلا يُضحَّى بالعوراء البيّنِ عورها، وهي التي نتأت عينُها العوراء أو انخسفت، ولا بالعرجاء البيِّنِ ظلعها، وهي التي لا تستطيع المشيَ مع السليمة، ولا بالمريضة البيّنِ مرضُها، وهي التي ظهرت آثارُ المرض عليها، بحيث يَعرف من رآها أنها مريضة من جرب أو حمّى أو جروح أو غيرها، ولا بالهزيلة التي لا مخّ فيها لأنّ النبي سئل: ماذا يُجتنب من الأضاحي؟ فأشار بيده وقال: ((العوراءُ البيّن عورُها، والمريضةُ البيّن مرضُها، والعرجاءُ البيّن ظلعها، والكسيرة التي لا تنقي)) أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد [2].

ولا تذبَحوا ضحاياكم إلا بعد انتهاءِ صلاة العيد وخطبتِها، واذبحوا ضحاياكم بأنفسكم إن أحسنتم الذبح، وقولوا: "بسم الله، والله أكبر"، وسمّوا من هي له عند ذلك اقتداءً بالنبي، فإن لم تحسِنوا الذبحَ فاحضروه فإنه أفضلُ لكم وأبلغ في تعظيم الله والعناية بشعائره، قال الله تعالى: وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ?سْمَ ?للَّهِ عَلَى? مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ?لأنْعَـ?مِ فَإِلَـ?هُكُمْ إِلَـ?هٌ و?حِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ ?لْمُخْبِتِينَ [الحج:34].

ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ ?للهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير