تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 02:49 ص]ـ

الخطبة الأولى

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا.

عباد الله، إن هذا اليوم هو يوم الحج الأكبر، فهو الذي تتم فيه أكثر أعمال الحج كرمي جمرة العقبة وذبح الهدي والحلق وطواف الإفاضة، وهو أيضا عيد الأضحى، أحد عيدي المسلمين، وفيه يذبح المسلم القادر أضحية خالية من العيوب، يريق دمها بعد صلاة العيد تقربًا إلى الله واقتداء بنبينا محمد، فإن لم يتسر للمسلم أن يذبح يوم العيد فله الفرصة طيلة أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التي تلي العيد، وهي أيام أكل وشرب وذكر الله كما قال نبينا، ويحرم صيامها إلا لمن حج ولم يجد الهدي.

عباد الله، إن الله تعالى هو الجواد الكريم الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وقد جرت العادة أن من أسدى إليك معروفًا أن تشكره، فكيف لا تشكر الله وأنت قلبك لا يخفِق إلا بإذنه، ونفَسُك لا يتردد في صدرك إلا بإذنه، وبصرُك لا ينطلق إلا بإذنه؟! أليس هو تعالى أحق بالشكر؟!

ونعم الله كثيرة كما قال تعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ?للَّهِ لاَ تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]. ولقد أمرنا ربنا عز وجل بالشكر كما أمر أنبياءه بذلك، وأخبر تعالى أن أكثر الناس لا يشكرون، يقول تعالى: ?عْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ?لشَّكُورُ [سبأ:13].

ولقد كان نبينا أعظم الشاكرين، فقد كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!)).

عباد الله، إن شكر الله حق في رقابنا للمنعم المتفضل تعالى، وأقلّ القليل هو أن نظهر هذا الشكر ونشيعه بين الناس، ونتواضع لله الذي فضلنا على كثير من خلقه، يجب علينا إظهار شكرنا لله تعالى في الخلاء وبين الملأ، لأن ذلك يذكر الناس بربهم ونعمه، فلعلهم ينتابهم شيء من الحياء والخجل من ربهم، قال النبي: ((التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله)).

والله تعالى بتكليفه لنا شكره بالقلب واللسان والجوارح لم يكلفنا ما لا نطيق، فيكفي لكي تشكره بقلبك أن يخفِق قلبك بالثناء عليه فتقول مناجيًا معترفًا بنعمه: ربي أصححت جسدي وما أكثر الأسقام في الناس، أحييتني لعبادتك والمقابر مليئة بالموتى، هديتني للحق والإسلام وأكثر البشر كالأنعام بل هم أضل، أغنيتني من فضلك وكم من معدم فقير، عافيتني في جسدي ومالي وأهلي وديني وكم من مبتلى، رزقتني السمع والبصر والفؤاد فلك الحمد حتى ترضى.

وإن حقيقة الشكر أن نفعل ما أمر الله وأن نجتنب ما نهى الله عنه؛ لأن الذي يستعمل نعمة الله في معصيته فذلك هو أكبر الجحود والكفر بالنعمة، فما شكر الله من أعطاه الله المال فأنفقه في معصيته، وما شكر الله من رزقه الصحة فأتلفها بمسكر أو مخدر أو دخان، وما شكر الله من كان عنده زوجة جميلة ولم يأمرها أن تغطي وجهها ومفاتنها عن أعين المسلمين، وما شكر الله تعالى من رزقه الله ولدًا فما زال يمده بالمال ويعينه على السفر ويسهل له وسائل الفساد حتى أغرقه في مستنقع الانحراف والرذيلة، وما شكر الله من يسمع المؤذن ينادي للصلاة وهو يرى الناس يمشون إلى المسجد ومع ذلك هو يتولى معرضًا عن الصلاة مع المسلمين، وما شكر الله من رزقه سمعًا وبصرًا فهو يسمع الحرام وينظر إلى الحرام، فهؤلاء ما شكروا نعمة الله عليهم.

ولقد توعد الله من كفر بالنعمة بالعذاب، وتعهد بالزيادة لمن شكر، قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]. ولعل ما نحن به من قحط واحتباس المطر بسبب ذنوبنا التي بلغت عنان السماء، فاللهم عرفنا نعمك بدوامها علينا، ولا تعرفنا إياها بالزوال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير