تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الواقع الرديء في عصرنا أن توصف حضارة اليوم بحضارة العنصريات والقوميات. والشعوب الموصوفة بالتقدم تضمر في نفسها احتقاراً لأبناء القارات الأخرى، ولم تفلح المواثيق النظرية، ولا التصريحات اللفظية، فإنك ترى هذا التمييز يتنفس بقوةٍ من خلال المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويأتي نبينا محمد لينبه منذ مئات السنين على ضلال هذا المسلك، ويعلن في ذلك المشهد العظيم: ((أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى)). وفي رواية عند الطبراني عن العدَّاء بن خالد قال: قعدت تحت منبره يوم حجة الوداع، فصعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه وقال: ((إن الله يقول: ي?أَيُّهَا ?لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـ?كُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى? وَجَعَلْنَـ?كُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـ?رَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ?للَّهِ أَتْقَـ?كُمْ [الحجرات:13]، فليس لعربي على عجمي فضل، ولا لعجمي على عربي فضل، ولا لأسود على أحمر فضل، ولا لأحمر على أسود فضل إلا بالتقوى. يا معشر قريش لا تجيئوا بالدنيا تحملونها على رقابكم، وتجيء الناس بالآخرة، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً. أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبِّية [1] الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان: رجل تقي كريم على الله، وفاجرٌ شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب)) [2] رواه الترمذي واللفظ له، وأبو داود وغيرهما. الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

معاشر الحجاج، أيها الأحبة، حفظ النفوس وصيانة الدماء قضية خطيرة يثيرها خطاب الرسول عليه السلام إلى الأمة في كلماته التوديعية التأصيلية: ذلكم أن حكم القصاص في النفس والجراحات، كان من حكمه التشريعية: زجر المجرمين عن العدوان.

وقد عجزت الأمم المعاصرة بتقدمها وتقنية وسائلها أن توقف سيل الجرائم، وإزهاق النفوس، وزاد سوؤها وانكشفت سوأتها، حين ألغت عقوبة الاقتصاص من المجرمين، واكتفت بعقوبات هزيلة بزعم استصلاح المجرمين، وما زاد المجرمين ذلك إلا عتواً واستكباراً في الأرض ومكر السيئ. ولكنه في شرع محمد محسوم بالقصاص العادل: وَلَكُمْ فِي ?لْقِصَاصِ حَيَو?ةٌ [البقرة:179]. إن في القصاص حياة حين يكفُّ من يَهمُّ بالجريمة عن الإجرام، وفي القصاص حياةٌ حين تشفى صدور أولياء القتيل من الثأر الذي لم يكن يقف عند حدٍّ لا في القديم ولا في الحديث. ثأرٌ مثيرٌ للأحقاد العائلية، والعصبيات القبلية، يتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيلٍ، لا تكفُّ معه الدماء عن المسيل.

ويأتي حسمٌ عمليٌّ ومباشرة تطبيقية من محمد في هذا الموقف العظيم، وفي إلغاء حكم جاهلي في مسألة الثأر، فاستمع إليه وهو يقول: ((ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث. كان مُسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل)) [3].

أيها الإخوة، إن في القصاص والحدود وأحكام الجنايات في الشريعة، حياةً ورحمةً، حياةً أعم وأشمل، حياة تشمل المجتمع كله، رحمة واسعة غير مقصورة على شفقة ورِقَّة تنبت في النفس نحو مستضعفٍ أو أرملةٍ أو طفلٍ، ولكنها رحمةٌ عامةٌ للقوي والضعيف والقريب والبعيد، والأمن المبسوط في بلاد الحرمين خير شاهد صدقٍ لقوم يتفكرون، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

معاشر الإخوة، أما قضية المرأة، وما أدراك ما قضية المرأة، وكأنها قضية كل عصر وكل جيل وكل أمة، يأتي الخطاب النبوي في هذا الحشد الهائل ممن عاصر الجاهلية، ليضع الناس على الحق، والطريق المستقيم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير