تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 02:54 ص]ـ

الخطبة الأولى

أما بعد: عباد الله، اعلموا أن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، وهو عيد الأضحى والنحر. هو يوم الحج الأكبر لأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسك الحج؛ يرمون الجمرة الكبرى، ويذبحون الهدايا، ويحلقون رؤوسهم، ويطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة. وهو عيد الأضحى والنحر لأن الناس يُضحُّون فيه وينحرون هداياهم.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

معاشر المسلمين، تميّزت شريعة الإسلام بعيدين، ليسا تمجيدًا لوجيه، ولا إحياءً لذكرى، ولا احتفاءً بميلاد، وليس العيد فرصة لكيلِ المدائح ونظمِ الأشعار ثناءً على حركة من الحركات أو انتصارًا من الانتصارات أو إنجازًا من الإنجازات، إنما العيد في الإسلام له شأن آخر ومعنى متميز، إنه تجديدُ إعلان التّوحيد لله ربّ العالمين الأحد الفرد الصمد، وذلك التوحيد ينبثق منه دعوةُ وِحدةٍ للأمة المسلمة، إنه دعوةٌ لمراجعة الأوضاع وتقييم الماضي والحاضر والإعداد للمستقبل. وإعلانُ الفرحة وإظهارها في العيد إنما هو ترجمةٌ لتك المعاني وفرحٌ بذلك المجد الّذي خصّ الله تعالى به أمّة محمد أن جعلهم خير أمة أُخرجت للناس.

لقد نال بنو إسرائيل من المجد والشرف في التاريخ ما لم تنله أمة غيرهم، فكثير من الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم هم من بني إسرائيل، وفي القرآن إشارات كثيرة إلى ذلك المجد، منها قول الله تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ [البقرة: 211]، وقوله سبحانه: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة: 47]، وقوله جل شأنه: وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان: 32]، وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الشعراء: 197]، فلما كفروا بنعمة الله وعَدُّوا تلك النعم مبررًا لهم في الإسراف بالظلم والتعنت والجحود والعناد وسُوء الأدب مع الله تعالى ومع رسله وكفروا بنعمة الله وتكبّر بعضهم وترهبن آخرون رهبانية مبتدعة سلب الله تعالى مجدهم، وأُورِثنا إياه، فلله الحمد والمنة.

فطيروا فرحًا ـ يا أمة محمد ـ بهذا التكريم وهذه الخصوصية، وشعور المسلم بذلك وهو يسرح طرفه ما بين المشرق والمغرب يمنح قلبه إجلالاً وتعظيمًا لربه وحياءً منه سبحانه الذي اصطفاه ما بين جموع غفيرة قُدِّر أن لا تهتدي إلى صراطه المستقيم، وذلك الشعور يمّده أيضًا بروحٍ منه وعون أن لا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فكل دين سوى الإسلام كفر، وكل مذهب خلاف هدي رسول الله ابتداع، فلا يزال انتماء المسلم لدينه الذي يؤمن أنه فخرُه ورأسُ ماله، بل يوقن أنه حياتُه وموته، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام: 162، 163].

واعلموا ـ عباد الله ـ أنه ما غاظ اليهود شيء مثلما غاظهم سلب النبوة والملك منهم ونقلها للعرب، الأمر الذي أوقد نار الحسد في قلوب اليهود، قال الله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ [البقرة: 109]، وقال سبحانه: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [البقرة: 90]. لقد أفرزت نار الحقد والحسد في قلوبهم نارًا حقيقية سعوا ويسعون في إشعالها طيلة تاريخهم إلى عصرنا الحاضر، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة: 64]، هذه سجيتهم، وهذا طبعهم لا يتغير، فلا يمكن أن تنسجم طِباعهم ولا تتفاعل مع مؤتمرات السلام، أو تقبل نفوسهم الجلوس على طاولات تفاوض وصلح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير