الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
معاشرَ المسلمين، وفي ظلِّ هذا التشريع فحقوق الإنسان وكرامتُه في الإسلام محفوظة مُصانة، ليست شعارًا عامّا فحسب، بل هي نظامٌ تشريعيّ داخلٌ في البناء العقديّ والأخلاقيّ والاجتماعيّ، قال أحد المنصفين من كبار القانونيّين بعد زيارةٍ لبلاد الحرمين حفظها الله، قال بصفتِه مسيحيّا: "أعلنُ أنّ حقوقَ الإنسان في القرآن بعد أن سمعتُها ورأيتُ الواقعَ في تطبيقها تتفوّق بلا شكّ على ميثاق حقوقِ الإنسان" انتهى.
ومن هنا فما المبادئُ التي تدعو لحقوقِ الإنسان اليومَ إلا في الميزان المرجوح أمامَ نظرة الإسلام، ذلكم أنها مبادئ تقوم في غالبِ مفاهيمها على مصالحِ القويّ وإهدارِ الجانب الأخلاقيّ وإقصاء الدين عن الحياة والدعوة للحرية التي سيماها الانفلاتُ نحوَ الرذيلة والفساد وفي محيط إهدار الفضائل والأخلاق بمقاييسَ عصريةٍ مادية تأباها الفِطر الإنسانية والتشريعات الإلهية، بل إنّ هذه المبادئَ التي تدعو إليها هيئاتٌ ومؤسّسات تتّسِم باختلاف المفاهيم وازدواج المعايير عند الحكم والتقويم بحَسب المصالح المكانية والاختلافات البشريّة والدينيّة، وإلاّ فأينَ هي من حمايةِ حقوق الأفراد في كثير من بقاع ديارِ المسلمين؟! وأين هي من حقوق بعض شعوب المؤمنين؟!
أيّها المسلمون، وتُختَم كلمات الوداع من نبيّ الأمّة وهو يفارقها بوَصيّة تضمَن لها السعادة والرفعةَ والنصرَ والعزّ، إنها وصيّة الالتزام بالتمسك بالوحيين والاعتصام بالهديين، قال: ((تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي: كتابَ الله)) [8]. تمسُّكٌ بهما في شتَّى الجوانب، واعتصامٌ بهما في جميع الأحوال، عقيدةً وعملاً، شريعةً وتحاكمًا.
ألا فليكن التنظيمُ في حياة المسلمين على وفقهما، وليُنهَج في ديار المسلمين الإصلاحُ في ضوء مذهبهما، نظامُ حياةٍ كامل، ودستور إصلاح شامِل، فالتأريخ الإسلامي في المدّ والجزر والنصر والهزيمة والقوّة والضعف برهانٌ ساطع على أن العزّةَ والسؤدَد والرخاءَ والازدهار يكون للمسلمين يومَ يكون أمرهم على الوحيين وشؤونُهم وفقَ الهديين.
وفّق الله المسلمين جميعًا للعمل بكتابه وتحكيم شريعته.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا لا ينفد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحَد الصمد، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله أفضلُ من تعبّد، اللهمّ صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تعبّد.
أما بعد: فأوصيكم ـ عبادَ الله ـ بتقوى الله، فإنها سعادةُ الأبرار وقوامُ حياةِ الأطهار، تمسَّكوا بوثائقها، واعتصموا بحقائقها.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
عبادَ الله، الأضحيةُ مشروعةٌ بأدلّة الشريعة المتنوّعة، فضلُها عظيم وأجرُها كبير. تتأكّد مشروعيتُها لمن كان غنيًّا وعلى ثمنِها مقتدِرًا، روى ابن ماجه بسند حسَن عن النبيّ: ((من كان له سعةٌ ولم يُضحِّ فلا يقربَنَّ مصلاّنا)) [1].
والشاةُ تجزئ عن الرجُل وأهلِ بيته من الأمواتِ والأحياء.
ومَن كان عنده وصايا وجب عليه تنفيذُها سواءً بسواءً حَسبَ المنصوص.
ولا يجزئ للأضحية إلاّ ما كان سليمًا من العيوب، فلا تجزئ العوراءُ البيّنُ عوَرها، وهي ما نتأت عينُها أو انخسفت، ولا تجزئ العرجاءُ البيّن ضلعُها، وهي التي لا تستطيع المشيَ مع السَّليمة، ولا تجزئ المريضةُ البيِّنُ مرضُها بحيث يظهرُ أثرٌ في أحوالها أو فساد لحمها، والعجفاء التي لا تُنقي، وهي الهزيلة التي لا مُخَّ فيها، ثبت ذلك عن المصطفى في حديث البراء [2]. وقال أهل العلم: ويلحق بهذه العيوب ما كان مثلَها أو أشدّ.
ولا بدّ أن يكتمل السنُّ المعتبَر في الأضاحي؛ ففي الإبل ما تمّ له خمسُ سنين، وفي البقر ما تمّ له سنتان، وفي المعز سنةٌ، وفي الضأن نصفُها.
ووقتُ الأضحية المعتبرَ من بعد صلاةِ العيد، والأفضلُ بعد انتهاء الخطبة، فقد ثبت عن النبيّ [أنّه] صلّى ثم خطب ثم نحر [3]. ويستمرّ الذبحُ إلى آخر أيّام التشريق، يوم العيد وثلاثة بعده.
فكُلوا وتصدّقوا واهدوا. والسنّة ـ أيها المسلمون ـ أن يذبحَ المسلم الأضحيةَ إن كان محسِنًا للذبح، وإلاّ فليشهَدْ ذبحَها.
إخوةَ الإيمان، في الأعياد تُظهر الأمُم زينتَها، وتعلن سرورَها، وتسرِّي عن نفسها ما يصيبها من مشاقّ الحياة ولأوائها، ومِن هنا شُرع للمسلمين عيدُ الفطر والأضحى، لا عيدَ في الإسلام غيرهما، ينعَم فيهما المسلمون، ويبتهجون لهوًا طيِّبًا مباحًا، وتعبُّدًا صالحًا حميدًا، قال: ((أيّام التشريق أيّامُ أكلٍ وشرب وذكرٍ لله تعالى)) [4].
والحذَر الحذَر أن تكون الأعيادُ موسمًا يُعَبُّ فيه من اللهو عَبًّا، بلا تحرُّز من حرام أو تباعُد عن باطل، فذلك ينافي تعاليمَ الإسلام، ويضادُّ مقاصدَه من الأعياد وغيرها.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أيّها المسلمون، أفضلُ ما لهجت به ألسنتُنا بعد ذكر الله الإكثارُ من الصلاة والسلام على النبي المصطفى.
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك نبيّنا محمّد، وارضَ اللهمّ عن الخلفاء الراشدين
¥