تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 03:08 ص]ـ

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله واذكروا أنَّكم في يوم هو أعظم الأيام عند الله كما أخبر بذلك رسول الله في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والحاكم في مستدركه [1]، فاسلُكوا فيه سبيلَ الإحسان في كلِّ دروب الإحسان، واستبِقوا الخيراتِ واستكثِروا فيه من الباقيات الصالحات، وَ?لْبَـ?قِيَاتُ ?لصَّـ?لِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:44].

أيها المسلمون، إن وحدةَ الصفّ واجتماعَ الكلمة والتجافيَ على الفُرقة ونبذَ التنازع المفضي إلى الفشل وذهابِ الريح هو من المقاصد الكبرى لهذا الدين، لها فيه مكانةٌ عليَّة ومنزلة ساميَة ومقام كريمٌ، وقد مضى رسول الله الذي نزّل عليه ربّه في الكتاب قولَه سبحانه: وَإِنَّ هَـ?ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً و?حِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَ?تَّقُونِ [المؤمنون:52]، مضى جاهداً كلَّ الجهد في تقرير هذه الحقيقة الكبيرة وترسيخ هذه القاعدة الشريفة وإرساء هذا المقصد العظيم في كلّ طَور من أطوار حياته، مبتهلاً كلَّ فرصة، موظِّفاً كلَّ موقف، مستثمراً كلَّ مناسبة، مستعملاً مختلِف ألوانِ البيان، فحرص على التأكيد على حقيقة وحدة الأمة بدوام التذكير بها والعمل على تعميق الإحساس بضرورتها ولزومها في كلّ مناسبة يشهدها وعندَ كلّ موقفٍ يقفُه، لا سيما في هذه المجامع العظام التي يجتمع فيها المسلمون لإقامة شعائر الله، والتي يتبوأ يومُ الحج الأكبر منها موقعَ الصدارة، إذ هو اللقاء الذي تلتقي فيه الوَحدة بالتوحيد أروعَ لقاءٍ وأجملَه وأوفاه.

أما الوحدةُ فتتجلَّى في الزمان وفي المكان وفي الشعائر، وأما التوحيد ففي كلّ شعيرة من شعائر الحجّ وفي كلّ موقفٍ من مواقفه إعلانٌ له ولَهَج به واستشعارٌ لحقائقِه ومعانيه وبراءةٌ من نواقضه، وإذا كان فرصةُ هذا الاجتماع المبارَك في رحابِ بلدِ الله وفي أكناف حرمِه وأمام بيته مناسبةً عظيمة للتوجيه والتذكير والتربية والتزكية لا يصحّ لأولي الألباب إغفالُها ولا إغماض الأجفان عنها، فلا غروَ أنْ كان للأمة من حصادها هذه الخطبةُ العظيمة وهذه الموعظة البليغة والوصية الفذة الجامعة لشريف المعاني وعظيم المقاصد وبليغ العبَر وصادق القول وخالِص النُّصح، وقد أخرجها البخاري رحمه الله في صحيحه بإسناده عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه قال: خطبنا رسول الله يومَ النحر فقال: ((أي يوم هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكتَ حتى ظننَّا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: ((أليس يومَ النحر؟!)) قلنا: بلى، قال: ((أي شهر هذا؟!)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكتَ حتى ظننَّا أنَّه سيسميه بغير اسمه فقال: ((أليس ذو الحجة؟!)) قلنا: بلى، قال: ((فأيّ بلد هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكتَ حتى ظننَّا أنه سيسمّيه بغير اسمه، قال: ((أليس بالبلد الحرام؟!)) قلنا: بلى، قال: ((فإنَّ دماءكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربَّكم، ألا هل بلغت؟)) قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهد، فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ، فربّ مبلَّغٍ أوعى من سامع، فلا ترجِعوا بعدي كفّارا يضرِب بعضَكم رقابَ بعض)) [2]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته لأمته: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرِب بعضُكم رقابَ بعض)) [3].

وقال في خطبته هذه أيضاً: ((يا أيها الناس، اتَّقوا ربَّكم ـ وفي رواية: اعبدوا ربَّكم ـ وصلّوا خمسَكم وصوموا شهرَكم وأدّوا زكاةَ أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنّةَ ربّكم)) أخرجه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه بإسناد صحيح [4].

وقال أيضاً في هذه الخطبة: ((ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه، ألا لا يجني جانٍ على ولده، ولا مولود على والده، ألا وإنَّ الشيطانَ قد أيِس من أن يُعبَد في بلادكم هذه أبداً، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقِرون من أعمالكم، فسيرضى به)) أخرجه الترمذي في جامعه [5].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير