تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ألا وصلوا وسلموا على خاتم النبيين وإمام المتقين ورحمة الله للعالمين، فقد أمركم بذلك الربّ الكريم فقال سبحانه قولاً كريما: إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ...

ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[18 - 11 - 09, 03:09 ص]ـ

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتّقوا الله ـ أيها المسلمون ـ حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعروةِ الوثقى، فإنّ تقوى الله خير زادٍ ونِعم المدَّخَر ليوم الميعاد.

عبادَ الله، إنَّ لكلّ أمّة عيدًا يعود عليهم في وقتٍ معلوم، يتحقَّق فيه أمَل، ويتَتَابع به عمل، وتتقوَّى به عقيدةُ تلك الأمة، وتقوم فيه بِعبادتها، وتحقِّق به جانبًا عظيمًا من وحدَتها، ويتمثَّل في هذا العيدِ رمزُ وجودها. قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: لِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ [الحج:67] قال: (منسكًا يعني عيدًا) [1].

لكنّ أمّةَ الإسلام تختلِف في عيدها عن الأممِ الأخرى؛ فالأمَم غيرُ الإسلاميّة أعيادُها أعيادٌ جاهلية أرضية من وضعِ البشر، لا تنفع في هداية القلوب بشيء، أمّا أمّةُ الإسلام فقد بنى مجدَها الواحد الصّمدُ رافِع السماء بلا عمد، قال تعالى: ?لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ?لأسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3].

إنَّ أمةَ الإسلام عميقةُ جذور الحقِّ في تاريخ الكون، متَّصلِةُ الأسباب والوشائج عبرَ الزمان السحيق، قال الله تعالى: إِنَّ هَـ?ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَ?عْبُدُونِ [الأنبياء:92]. وختَم الله الأنبياءَ الذين بعثَهم اللهُ بالدّين الحقِّ عليهم الصلاة والسلام، ختمَهم بسيّد البشر، فنسخَت شريعته كلَّ شريعة، فمن لم يؤمِن بمحمد فهو في النّار أبدًا. وأمرَه الله تعالى أن يتّبعَ ملّةَ إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ ?تَّبِعْ مِلَّةَ إِبْر?هِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ?لْمُشْرِكِينَ [النحل:123]. فكانت أمّة الإسلام وارثةَ خليل الرّحمن محمّد ووارثةَ خليل الله إبراهيم الأبِ الثالث للعالَم عليه الصلاة والتسليم.

وأنتم في عيدِكم هذا على إرثٍ حقّ ومَأثَرةِ صِدق من الخليلين عليهما الصلاة والسلام، فقد منَّ الله على المسلمين بعيد الفطر وعيد الأضحى، عن أنس قال: قدِم علينا رسول الله المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ((لقد أبدَلَكم الله بهما خيرًا منهما: عيد الفطر وعيد الأضحى)) أخرجه أبو داود والنسائي [2].

وقد جعل الله برحمتِهِ وحِكمته هذين العيدَين بعد عبادة عظيمة، فجعل عيدَ الفطر بعد الصيامِ والقيام، ينقُل النفسَ من الجهد والاجتهادِ في العبادة إلى المباحاتِ النافعة التي تجِمّ القلبَ ليستعدَّ لعبادات أخرى، وعيد الأضحى بعد الوقوفِ بِعرفة الذي هو أعظم ركنٍ في الحجّ، فيومُ عرفَة مقدِّمَة ليوم النّحرِ بين يديه، فإنَّ يومَ عرفة يكون فيه الوقوفُ والتضرّع والتوبة والابتهال والتطهُّر من الذنوب والنقاء من العيوب، ثم يكون بعده يومُ النحر وذبحُ القرابين عبادةً لله تعالى وضِيافة ونزلاً من الله الجوادِ الكريم لوفده، ثم يأذن الله لوفده بزيارته والدخول إلى بيته العتيق بعد أن هذِّبوا ونُقُّوا ليتفضّل عليهم ويكرمهم بأنواع من الكرامات والهبات، لا يحيطُ بها الوَصف.

وعيدُكم هذا سمّاه الله في كتابِه يومَ الحجِّ الأكبر؛ لأنّ أكثَرَ أعمال الحجِّ تكون فيه، وجاء في فضل هذا العيد ما رواه أحمد وأبو داودَ من حديث عبد الله بن قُرط أن النبيَّ قال: ((أفضل الأيّام عند الله يومُ النحر ويوم القرّ)) [3]، وهو اليومُ الذي بعد يومِ النّحر، أي: الحادي عشر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير