تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن وجوب الوفاء في مكان العقد محله ما لم يتفقا على غيره، فإن اتفقا على غيره جاز، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (المسلمون على شروطهم)، فهما قد اشترطا أن يكون ذلك في موضعٍ غير موضع العقد برضاهما واختيارهما، وعلى هذا: يلزم الطرفان بما اتفقا عليه وحصل الشرط عليه.

محل الوفاء إذا كان العقد قد تم في مكان لا يضبط قال رحمه الله: [وإن عقدا ببرٍ أو بحرٍ: شرطاه]. هذا من دقة العلماء، إذا كنت تقرر أن العقد إذا وقع في مكانٍ وجب الوفاء فيه، فافترض أن العقد وقع في مكان لا يمكن ضبطه، كالبر: الصحراء التي ليست فيها معالم، فلا يمكن ضبط المكان، لكن في الصحراء لو أنهما اتفقا في موضعٍ معين ومعلمٍ معين مثل القرى التي تكون في الطريق، أو اتفقا في استراحة معينة في مكانٍ معين، وجب الوفاء في مكان الاتفاق، ما لم يتفقا على غيره، هذا إذا كان ببر، ومثل البر أيضاً: البحر، فلو كان في سفينة أو مركب وقال له: هذه عشرة آلاف لقاء مائة صاع من البر أو من التمر، قال: قبلت، وكان الاتفاق في البحر، فإنه في هذه الحالة لا بد وأن يحددا مكاناً غير المكان الذي اتفقا فيه؛ لأن المكان الذي اتفقا فيه لا ينضبط، وهكذا لو كان في الجو كما في زماننا، فلو أن تاجرين كانا في طائرة، وقال أحدهما للآخر: هذه عشرة آلاف ريال لقاء -مثلاً- نوع من القماش أو من المزروعات، أو نوع من الطعام من المكيلات أو من الموزونات، وتمت صفقة السلم كاملة وهما في الجو فهذا المكان لا ينضبط، إذاً لابد في العقد أن يتفقا على موضع للوفاء، فيقول له: نحن الآن مسافران فيكون وفاؤنا في المدينة، أو وفاؤنا في مكة أو في موضع كذا، فيحددان المكان ويتفقان عليه.

حكم بيع المسلم فيه قبل قبضه قال رحمه الله: [ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه] إذا تمت هذه الشروط المعتبرة للسلم، فاعلم رحمك الله أنه يترتب عليها أحكام، ومن أحكام السلم أنه لا يجوز لمن عَقَد عَقْد السلم أن يبيع الشيء الذي اتفق عليه وأسلم من أجله قبل أن يقبضه، فلو أن رجلاً اشترى سيارةً سلماً بمائة ألف من الوكالة، ثم قال له رجل: هذه السيارة أرغبها هل تبيعها لي؟ فنقول: لا يجوز أن يبيعها قبل قبضها، وهكذا لو اشترى تمراً أو براً أو غير ذلك من المبيعات، لكن ما الدليل على أنه لا يصح أن يبيع؟ نقول: إن كان السلم وقع على طعام فإننا نقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الطعام قبل قبضه)، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أرى غير الطعام كالطعام)، وإن كان غير طعام، وقلت: النص خاص بالطعام، نقول: إنه قد ربح ما لم يضمن، فإذا اشتريت سيارةً من وكالة بعشرة آلاف إلى نهاية رمضان هذه السنة، وبعتها بأحد عشر ألفاً أو بعتها باثني عشر ألفاً أو بعتها بثلاثة عشر ألفاً، فمعنى ذلك أنك قد بعت شيئاً وربحت فيه قبل أن يكون في ضمانك، وهذا بيناه في مسألة: ربح ما لم يضمن، فتعلمون أن السيارة الآن لو تلفت فإنها تتلف على ضمان البائع الذي هو الوكالة، فلا يصح في الشريعة أن يتحمل غيرك مسئولية السلعة وأنت تأخذ الربح والنتاج، فانظروا إلى عدل الله عز وجل بين عباده، فلا يصح أن تتحمل الوكالة مسئولية هذه السيارة وحفظها وصيانتها والقيام عليها وتكون مسئولةً عنها، وأنت الذي تربح وتغنم، هذا شيء من الأنانية، ولذلك لا تجيز الشريعة أن تأخذ ربح شيء لم تضمنه، لكن تتحمل مسئوليته وضمانه وتأخذ ربحه ونتاجه، وعلى هذا: لا يصح أن تبيع السيارة قبل قبضها، ولا يصح أيضاً أن تبيع الطعام قبل قبضه، ولا يصح أن تبيع القماش إذا أسلمت فيه قبل قبضه، وهكذا الحديد والنحاس والرصاص وغيرها من سائر المبيعات لابد أن تقبض أولاً، ثم بعد قبضه بع وتصرف، ولأنه لا ينتقل إلى ملكيتك إلا بالقبض فاشترط القبض لصحة التصرف فيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير