تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حكم الهدية لصاحب القرض قبل سداد الدين وقوله: [وإن تبرع لمقرضه قبل وفائه بشيء لم تجر عادته به لم يجز]. عرفنا أنه يجوز أن تزيد عند القضاء بأفضل؛ لحديث أبي رافع بشرط أن تكون الزيادة بعد انتهاء الأجل وبعد الوفاء، حتى قال بعض العلماء: لو جئت تسدد الدين لا تقدم الهدية، بل سدد الدين أولاً وبعد أن يقبض دينه أعطه الهدية، ولا تجعل العطاء للهدية سابقاً لوفاء الدين، إنما تعطيه بعد تمام الوفاء، فحينئذٍ يرد السؤال: لو اقرضت شخصاً فجاء وأعطاك شيئاً قبل السداد فهل يجوز لك أن تأخذ من المديون شيئاً، سواءً كان من الأثمان أو الأطعمة أو الأكسية أو المنافع ... كرجل استدان منك عشرة آلاف ريال، وكان الدين إلى نهاية السنة، وجاءك في رمضان، وقال: يا فلان! هذه خمسة آلاف ريال مني لك أو هذه ألف ريال، أو هذه مائة ريال، فأعطاك هدية من غير جنس الدين، كأن يكون استدان منك عشرة آلاف ريال ففوجئت به قبل تمام الأجل وقد جاءك بشيء من غير الأثمان كطعام أو كساء أو ساعة أو قلم أو كتاب، وقال: يا فلان! إني أحبك في الله وهذه هدية مني لك، لكن بينك وبينه دين ولم يسدد الدين بعد. فحينئذٍ إذا أعطاك شيئاً قبل الدين فإنك تتقيه، وعلى هذا وردت نصوص الصحابة والنقول عنهم متظافرة، وقد جاء عند ابن ماجة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قبول هذه الهدية، لكن هذا الحديث متكلم في سنده، وذكر بعض العلماء أن له شواهد من حيث المضمون العام للمتن، وأما عن الصحابة فلا إشكال، فإن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري لما جاء إلى عبد الله بن سلام الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه، قال له: إنك بأرض أرى الربا فيها فاشياً، فإذا استدان منك رجل ديناً فأعطاك هدية أو حملاً أو .. فإياك أن تقبله. فمنعه من قبول الهدية قبل تمام الدين، وأُثر هذا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، فإن ابن عباس سئل عن رجل استدان من آخر عشرين درهماً، ثم صار المديون يهدي للدائن السمك، فأهداه في المرة الأولى سمكاً، ثم مرة ثانية أهداه سمكاً، ثم المرة الثالثة أهداه سمكاً، حتى وصلت قيمة السمك ثلاثة عشر درهماً، فأخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن الرجل استدان منه عشرين درهماً، وأهداه هدية تبلغ ثلاثة عشر درهماً فقال: خذ منه سبعة دراهم. فاحتسب جميع ما أهداه إليه، وعدّ ذلك محرماً عليه إلا أن تعطى قيمته. والسبب في هذا واضح، فكأنه قبل وفاء الدين تارة تتخذ الهدايا لإطالة الأجل، فإذا جاء السداد تنكسر عين صاحب الدين بالهدايا، ولا يستطيع أن يطالب المديون، ويؤخره ويؤجله، وكذلك أيضاً فيها ذريعة إلى الربا أن يمحض له الأجل من نفس المبلغ، ومن هنا تظافرت النقول عن الصحابة رضوان الله عليهم كعبد الله بن سلام وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وغيرهما، ومن أئمة التابعين كسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي رحمة الله على الجميع، كلهم منعوا قبول الهدية قبل الوفاء. وقد ضيق السلف في هذا حتى إن بعضهم كان يتورع عما هو أخف من هذا بكثير، فإن الإمام أبا حنيفة رحمه الله استدان منه رجل ديناً، ثم جاء الإمام أبو حنيفة يطالبه بالدين، فوقف على بابه في شدة الظهر في الهاجرة، وكان مع الإمام أبي حنيفة أصحابه، فكان الرجل في داخل الدار وقُرع عليه الباب، فوقف الإمام أبو حنيفة في الشمس وجاء أصحابه إلى مظلة الباب (الروزنة)، ودخلوا تحتها، وقالوا: هلم يا إمام إلى الظل، قال: لا والله، أخشى أن يكون فضل منه عليَّ، فلم يرض أن يأتي إلى ظل داره قبل وفاء دينه. والفقه في بعض الأحيان يضيق على الإنسان، لكنه يثاب على هذا، إذا تورع بمثل هذا الورع الذي كان عليه سلف الأمة، واحتاط إلى هذه الدرجة، بأن يدع ما لا بأس به خشية من الوقوع فيما فيه بأس، وهذا الورع أكمل ما يكون من الورع، شريطة أن لا يفضي ذلك إلى الوسوسة وتحريم ما أحل الله عز وجل من الطيبات. فالشاهد أنه خشي أن يكون مرتفقاً بهذا الظل، وبناءً عليه لا تقبل الهدية من الشخص الذي لك عليه دين قبل سداد الدين إلا في حالات: الحالة الأولى: أن تحتسب الهدية من الدين، فلو كان رجل عنده لك عشرة آلاف ريال، فأهداك ساعة بخمسمائة، فاقبلها على أن الذي بقي لك عليه تسعة آلاف وخمسمائة، ولو أهداك هدية بألف، فاقبلها على أن الدين تسعة آلاف، فإذا كنت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير