تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تقبل الهدية على أنها من الدين فلا بأس به. الحالة الثانية: أن يكون الرجل الذي أهداك الهدية من عادته أن يهديك، أو يكرمك، كرجل استدان منك ديناً ومن عادته أنه يهدي لك هدية في كل رمضان، فاستدان منك الدين إلى نهاية السنة فجاءك بالهدية في رمضان وأعطاكها، فإنها خارجة كلية عن الدين، والأورع والأفضل أن لا تقبلها في ذلك العام، لكن التهمة هنا منتفية، ولذلك أجازوا للقاضي أن يستضيفه من كان من عادته أن يستضيفه قبل القضاء، فإذا دعاه إلى وليمة خاصة أجابه؛ لأننا نعلم أن بينهما وداً قديماً، وأنه لم يستضفه مبتلىً بهذه الأمانة وهذه الحقوق. فالمقصود أنه إذا كان من عادته أن يهديك وأهداك على عادته صحت هديته، لكن إن كان من عادته أن يهديك وزاد في هديته في ذلك العام حرمت الزيادة؛ لأنها خرجت عن المألوف والمعروف، ومن هنا لو استدان رجل منك ديناً ودعاك إلى وليمة، فإما أن يكون الطعام عاماً، كأن يكون زاوج ابنه أو ابنته فإن هذه الدعوة لا يخصك بها، وإنما أنت والناس فيها على حد سواء، ويبعد أن تكون مكافأة عن الدين؛ لأن هذا أمر عام يقصد منه إشهار النكاح ولا علاقة له بالدين، ومن هنا أجازوا للقاضي أن يجيب الولائم العامة. لكن قال بعض العلماء: يجوز أن تتخلف عنها تورعاً، إذا خشيت أن يكسر عينك بالزيادة في الإكرام في الحفلات العامة والولائم العامة، فيحابيك محاباة خاصة، ويميزك بها، فإنها في الظاهر دعوة عامة لكن فيها شيء تتورع عنه إذا علمت ذلك، وهذا أصل عام يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والأعراف والأزمنة، وعلى المؤمن أن يتقي الله، ويتورع عن مثل هذه الدعوات، وهذا هو الذي فيه طمأنينة القلب، ففي مثل هذه المسائل يصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس)، فإنه في بعض الأحيان يكون الشيء في ظاهره حلالاً لكن تجد أموراً وقرائن تدل على وجود الشبهة، فمثل هذا تتقي فيه وتمتنع منه، صحيح أنه يدعوك دعوة عامة، إلا أنه يميزك على من هو أفضل منك، فتفهم من هذا أن القدر المباح والمشترك زدت على حقك فيه، كما لو أهداك هدية وكان من عادته أن يهديك وزاد في الهدية، فإن الزيادة تحرم، فالمقصود أنهم لما قالوا: من عادته أن يهديك، محل ذلك أن لا يكون فيه شبهة أو ذريعة إلى الحرام، كأن يزيد عن هديته، أو يفعل معك فعلاً يميزك به في وليمة عامة أو نحوها، ولو دعاك إلى دعوة خاصة لم يجز أن تجيبه؛ لأنها أشبه بالمكافأة على الدين قبل وفائه وأدائه. وقوله: [لم يجز] أي: لم يجز لك أن تأخذ الهدية منه قبل وفائه للدين إلا أن تنوي مكافأته على الهدية، كرجل استدان منك عشرة آلاف وذلك إلى نهاية السنة، ثم جاءك بهدية (ساعة) لم يجز لك أن تقبلها، إلا أن تنوي مكافأته على الساعة، فتنوي في قلبك أنك ستقبل منه الساعة الآن على أن ترد عليه هدية مثل هديته أو أفضل من هديته، فتكون حينئذٍ قطعت الهدية بمثلها أو أفضل منها. وقوله: [إلا أن ينوي مكافأته] وهذا ما يسمى بهبة الثواب، وهي الهبة بعوض، وهذا النوع محرم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعله الإنسان من أجل أن يكافئه الغير، وهو الذي عناه الله عز وجل بقوله: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر:6] (ولا تمنن) أي: تفعل الهدية وتعطي الهدية وما فيه منة، (تستكثر) أي: تستدعي الكثرة بطلبك لما هو أكثر، وهذا يفعله الضعفاء، فيأتون للأغنياء ويعطونهم هدية، ومن المعلوم أن الفقير إذا أهدى للغني فمعنى ذلك أن يكافئه، وعلى هذا قالوا: إنه إذا أهداه ونوى في قلبه أن يرد هديته وأن يكافئه عليها جاز له ذلك. وقوله: [أو احتسابه من دينه] كرجل يأتي ويعطيك هدية، فتقدر هذه الهدية بقيمتها، وتنوي في قرارة قلبك أنه إذا جاء يسدد الدين فإنك تسقط الهدية من قيمة الدين، فيجوز لك أن تقبلها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير