تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فعلى هذا القول لا يجوز لك إذا استدنت كيلو من الذهب أن ترده كيلو ونصفاً، أو ترده كيلو وربعاً مثلاً، أي بزيادة ربع عليه؛ لأنه يرى أن الأصل التحريم، والحديث جاء في المعدودات وهي الإبل وما في حكمها، فعلى هذا القول فإن الحكم يختص بالجواز بصورة هذا الحديث، والجمهور قالوا: يجوز أن يزيد سواءً كان في الذهب والفضة التي هي الأثمان أو في المطعومات، سواء المكيلات أو الموزونات، ويجوز أن يزيد في المعدودات صفة وعدداً، وعلى الوجه الأول عندهم أنك لو أخذت بعيراً فلا يجوز أن تقضي بعيرين؛ لأن الحكم عندهم يختص بالصفة، والزيادة بالصفة مع وجود الاتحاد في العدد، فلا يجيزون أن تقضي البعير بالبعيرين، ولا يجيزون أن تقضي الشاة بالشاتين وبالثلاث؛ لأنهم يرون أن الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختص بالصفة، فقال (يا رسول الله! إني لا أجد إلا خياراً رباعياً)، فمن هنا يقولون: لا يجوز أن تدفع بزيادة عدد لقاء عدد أقل، هذا بالنسبة للقول الأول الذي ذكرناه. وأما الجمهور لما أجازوا هذا قالوا: الحديث ورد فيما ذكرتموه، لكن في الحديث عبارة، وهي قوله عليه الصلاة والسلام: (أعطه، فإن خير الناس أحسنهم قضاءً) فجعل الأمر بالزيادة في الصفة والجودة مركب من قوله: (فإن خير الناس أحسنهم قضاءً)، فالتعليل يفيد العموم، فلما كان منشأ الحكم الإحسان في القضاء، وأكد هذا بقوله: (رحم الله امرأً سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى) فهمنا أن مقصود الشرع المكافأة على الدين، ما دام أنه بدون وعد ولا تواطؤ ولا شرط، وبناءً على هذا نخرج ما ذكره المصنف رحمه الله. ويمكننا أن نقول: إنه يجوز أن يقضي الشيء بأحسن منه وأجود في الصفات، ويجوز أن يقضي الشيء بضعفه في العدد، فيقضي البعير بالبعيرين، والشاة بالشاتين، ويقضي أيضاً الثوب -بصفاته المنضبطة- بثوبين إذا كان قد اقترضه منه، والطاقة من القماش بالطاقتين إذا استدان مذروعاً، وقس على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن خير الناس أحسنهم قضاءً). أما إذا كان كريماً، ومن عادته أن يكافئ على الدين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكرم الخلق، ومع ذلك استدان واستدان منه الناس وهم يعلمون كرمه وفضله عليه الصلاة والسلام وجوده وسخاءه، قال رجل: يا قوم! أسلموا فقد جئتكم من عند رجل لا يخشى الفقر، ما سُئل عن شيء إلا أعطاه، صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين، فالمقصود: أنه ولو كان كريماً سخياً يجوز أن تتعامل معه، لكن ينبغي أن لا تجعل في نيتك أن يكافئك بالأفضل، وإنما يكون ذلك على سبيل المسامحة والارتفاق.

حكم الهدية لصاحب القرض قبل سداد الدين وقوله: [وإن تبرع لمقرضه قبل وفائه بشيء لم تجر عادته به لم يجز]. عرفنا أنه يجوز أن تزيد عند القضاء بأفضل؛ لحديث أبي رافع بشرط أن تكون الزيادة بعد انتهاء الأجل وبعد الوفاء، حتى قال بعض العلماء: لو جئت تسدد الدين لا تقدم الهدية، بل سدد الدين أولاً وبعد أن يقبض دينه أعطه الهدية، ولا تجعل العطاء للهدية سابقاً لوفاء الدين، إنما تعطيه بعد تمام الوفاء، فحينئذٍ يرد السؤال: لو اقرضت شخصاً فجاء وأعطاك شيئاً قبل السداد فهل يجوز لك أن تأخذ من المديون شيئاً، سواءً كان من الأثمان أو الأطعمة أو الأكسية أو المنافع ... كرجل استدان منك عشرة آلاف ريال، وكان الدين إلى نهاية السنة، وجاءك في رمضان، وقال: يا فلان! هذه خمسة آلاف ريال مني لك أو هذه ألف ريال، أو هذه مائة ريال، فأعطاك هدية من غير جنس الدين، كأن يكون استدان منك عشرة آلاف ريال ففوجئت به قبل تمام الأجل وقد جاءك بشيء من غير الأثمان كطعام أو كساء أو ساعة أو قلم أو كتاب، وقال: يا فلان! إني أحبك في الله وهذه هدية مني لك، لكن بينك وبينه دين ولم يسدد الدين بعد. فحينئذٍ إذا أعطاك شيئاً قبل الدين فإنك تتقيه، وعلى هذا وردت نصوص الصحابة والنقول عنهم متظافرة، وقد جاء عند ابن ماجة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قبول هذه الهدية، لكن هذا الحديث متكلم في سنده، وذكر بعض العلماء أن له شواهد من حيث المضمون العام للمتن، وأما عن الصحابة فلا إشكال، فإن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري لما جاء إلى عبد الله بن سلام الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه، قال له: إنك بأرض أرى الربا فيها فاشياً، فإذا استدان منك رجل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير