تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفيه هذه المنافع. ويرد السؤال: إذا كان صاحب الدين يُنفق على هذه العين المرهونة وهي الناقة، فهل يجوز له أن ينتفع في حدود نفقته أو لا يجوز؟ ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن الرهن إذا كان يُركب أو يحلب، أو يجمع بين منفعة الركوب والحليب، فإن من حقك إذا أنفقت عليه أن تركبه وتحلب منه بقدر ما أنفقت عليه. مثال ذلك: لو قال لك: هذه الناقة رهنٌ عندك مقابل الألف التي لك عليّ، فقمت على الناقة وعلفتها بما قيمته مثلاً خمسون ريالاً، فحينئذٍ يجوز لك أن تشرب من حليبها بقدر الخمسين، وأن تركب على ظهرها بقدر الخمسين، ويجوز أن تجمع بين الحليب وبين الركوب بقدر الخمسين، فتجعل -مثلاً- ثلاثين للحليب وعشرين للركوب، فتقدر أن ذهابك على ظهرها إلى داخل المدينة والرجوع بعشرين، عشرة ذاهباً وعشرة آيباً؛ وهذا يتقدَّر بالعُرف، ثم حليبها هذا الذي احتلبته في اليوم الذي أنفقت عليها، قيمته ثلاثون، فحينئذٍ تكون الثلاثين مع العشرين مساوية لنفقتك عليها. فتُقدِّر ما أنفقته وتركب وتحلب على قدر ما أنفقت، فإن كان مركوباً تمحّض انتفاعك بالركوب، وإن كان محلوباً تمحّض انتفاعك بالحليب، وإن كان محلوباً مركوباً جمعت بين الأمرين، أو أخذت منفعة من المنفعتين بقدر حصتها من النفقة، هذا من حيث الأصل الذي ذكرناه. والدليل عليه ما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة)، أي: عليه أن يعلف الدابة، ويقوم عليها في حدود ما أنفق، وهذا هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، لا يُظلم صاحب الرهن، ولا يُظلم صاحب الدين، ولا تتلف العين؛ لأنها لو تُركت بدون طعام ولا شراب لتلفت. وعلى هذا أخذ المصنف رحمه الله هذا الحكم، فبيّن أنه يجوز للمرتَهِن ومن له الدين أن يركب الرهن وأن يشرب منه بقدر ما أنفق عليه في طعامه وشرابه.

جواز الانتفاع بالرهن المحتاج إلى مئونة بدون إذن الراهن وقوله: (بقدر نفقته بلا إذن). الفائدة هنا أنه لا يحتاج إلى إذن؛ والسبب في ذلك: أن الإذن موجودٌ من الشرع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً)، فهذا إذنٌ شرعي، والله عز وجل يملك العباد وما ملكوا، فالله ملّكنا ذلك، وبيّن أنه إذا رهن أحدٌ عندك عيناً تُركب وتحلب، وأنفقت عليها، وركبت وحلبت بقدر ما أنفقت؛ فقد عدلت وأقسطت، والله يحب المقسطين، ولا تحتاج في ذلك إلى إذن المالك، هذا بالنسبة للشرب والركوب.

حكم انتفاع المرتهن بالرهن غير المحلوب يبقى السؤال: غير المركوب وغير المحلوب إذا احتاج إلى نفقة، فهل يُقاس على المركوب والمحلوب؟ جماهير العلماء على أنه لا يُقاس ولا يُلحق، وحتى الإمام أحمد رحمه الله لما قال بهذه السنة وعمل بها، سُئِل عن غيرها، فخصّص الحديث بما ورد؛ لأن الأصل يقتضي أنه لا يجوز لك أن تنتفع بمال غيرك إلا بإذنه، وبحقه، فلما جاءت السنة تستثني هذا الأصل فيما يُركب ويحلب، بقي ما عداه على الأصل الذي يوجب عدم ملكية المنافع إلا لأصحابها، ولا يجوز لمن له الدين أن ينتفع إلا بإذن المالك الحقيقي .. هذه خلاصة ما ذُكِر. فالحاصل: أنه يجوز في القسم الثاني إذا كان الرهن يحتاج إلى مئونة وكان مركوباً محلوباً، جامعاً بينهما، أو فيه إحدى الخصلتين يجوز لمن له الدين أن ينتفع في حدود ما أنفق. فإن كان غير محلوبٍ ولا مركوب، فإنه لا يجوز أن ينتفع به، وحينئذٍ يفصل فيه من ناحية إذا أنفق فإنه يحتسب قدر ما أنفق على ذلك المرهون، ثم يطالب المالك الحقيقي بنفقته، كما سيأتي إن شاء الله.

الإنفاق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكان الرجوع إليه قال رحمه الله: [وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه لم يرجع]. قوله: (وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه) إذا استأذنه فلا إشكال، وقد ذكرنا المحلوب والمركوب، فالمحلوب والمركوب لا يحتاج إلى إذن، وغير المحلوب والمركوب -كما كان في الأرقاء في القديم ونحوهم- إذا احتاج إلى نفقة، فإنه إذا أنفق عليه بدون إذن صاحبه مع إمكان أن يستأذنه، فإنه لا يُعطى نفقته؛ والسبب في ذلك: أن المطالب في الأصل هو المالك، فكونه لم يستأذن ولم يأمره أحد أن يُعطي بل أعطى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير