هذا التعريف متى نظرنا إليه كعلم له ضوابطه وقواعده وأصوله. ولكن بتعريفهم هذا يكونوا قد صنفوه ضمن العلوم الآلية أو العلوم المساعدة للعلوم الأساسية، كما هو علم أصول الفقه بالنسبة للفقه، ولذا فإن علم النسب؛ علم له جانبان، أولهما هو الجانب الأساسي، ونقول في حَدِّهِ: علمٌ يُعرف به وَجْه رابطة القرابة التي بين شخص وآخر. أو العلم بوجه القرابة التي بين شخص وشخص، أو بين جماعة وجماعة. < o:p>
ومتى أردنا بالنسب خصوص تلك العلاقة التي بين الوالد والولد فإنا نقول في تعريف علم النسب: علمٌ يُعرف به وجه اتصال والدٍ وإنْ علا بولدٍ وإنْ نزل. < o:p>
أو هو: علم يعرف به وجه اتصال أصل بفرع أو فرع بأصل.< o:p>
هذا متى نظرنا إليه كعلمٍ بسيط مِن غيرِ دِرَايَةٍ بتلك القواعد والأصولِ. وفي الحقيقة ما دامت هذه حاله فإنه يفقد استقلاليته ويكون تابعاً لعلم التاريخ، كعلم من بعض علومه، والتاريخ قد عدَّه بعضُ الفلاسفة ضمن مقامات الفنون ولم يصنفوه ضمن مقامات العلوم. وعلى أي حال فإن هذا القسم من علم النسب هو الذي يستفيد منه كل وارد لمنهله، وهو بمثابة مسائل علم الفقه بالنسبة لمسائل أصول الفقه.< o:p>
أما الجانب الثاني الذي لعلم النسب؛ فهو الجانب الآلي، حيث أنه يُصَنَّفُ كعلمٍ مساعد للقسم السابق، فمنه يُستفاد في تحصيل المَلَكَةِ لدى العالم بالنسب في اتخاذ الحُكم، وتقرير نتيجة تَوَصَّل لها، لأنه العلم الذي يتضمن المسائل الأصولية التي لعلم النسب والتي هي بمثابة مسائل علم أصول الفقه بالنسبة لمسائل الفقه. ومن أجل ذلك فإن بعض فلاسفة العلوم صنفوا هذا القسم كتصنيفهم لقسيمه، وهذا القسم هو الذي يصدق فيه قولهم: علمٌ يُتعرَّفُ منه أنسابَ النَّاسِ، وقواعِدَهُ الكُلِّيَّةِ وَالجُزْئِيَّةِ. وإنَّه لَكَذلك فإنه يجب أن نزيد في التعريف: ومعرفة حال المستفيد. لأن العلماء نَصُّوا على أوصاف للنسابة صاحب هذه الصنعة، منها العدالة والصلاح والضبط والتثبت والقريحة الجيدة .. < o:p>
أما عن كيفية الاستفادة من الأنساب فهذا متروك للباحثين في التاريخ والاجتماع وعلم الإنسان، إذ كلٌ يستفيد منها بحسب ما تقتضيه تلك العلوم من تَصَوُّرٍ لمسائل النسب.< o:p>
وإنما عرَّفْنَاه بقولنا: علمٌ يُعرف به وَجْه رابطة القرابة التي بين شخص وآخر. لأجل أن النسب ليس هو مجرد الرابطة التي تكون بين الوَالِدِ وإنْ عَلا والوَلَدِ وإنْ نزل، وإنما هذه الرابطة تكون أيضاً بين المرء والأب وإن علا، والابن وإن نزل، والأخ وعقب الأخ، والعم وعقب العم.< o:p>
ولذا فإن النسب ينقسم إلى:< o:p>
1. نَسَبٌ صُلْبِيٌّ: وهو الرابطة التي بين الوالد والولد. وهو يشمل نسب المرء الذي بينه وبين آباءه الذكور، ونسبه الذي بينه وبين كل أنثى ولدته، ولكن الناس اطمأنت نفوسهم لعُرْفِ الشرائع المنزلة منذ القدم؛ وكان مقصدها ضبط معيشة الإنسان على حالٍ واحدة بها يكون حفظ الأنساب؛ وصلاح المجتمعات؛ وصون الأعراض.< o:p>
2. نَسَبُ قَرَابَةٍ: وهم الإخوة وأولادهم والأخوات، والأعمام في أي جيل كانوا وأولادهم والعمَّات. ومن أجل ذلك فإنه لما نزل قول الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} نادى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في عموم قريش، ولكنه رتَّبَ قبائلَ قريش أمامه على مراتبٍ كالشجرة، شجرة النسب التي استوحى صورتها النسابون من هذا الترتيب، فكان هو في أعلى فرع لها كالثمرة، فرتبهم بحسب القرب والبعد النسبي الذي بينهم وبينه، وهذا النوع من النسب يقال له: رَحِمٌ في الغالب، وإنما قلنا: رحم في الغالب. لأن الرَّحم تشمل الولد والوالد أيضاً، وهي تشمل كل قريب على الإطلاق؛ ولذا فإنَّ الشريعةَ تلطَّفت معه في باب التركات لما لم يكن له فريضةٌ فيها؛ فأبقتْ له مسمى القرابة بلفظ الرَّحِمِ، ولم تَسْلَخْ عنه القُرْبَى، فالرحيمُ في باب المواريث كُل قَرِيبٍ ليس ذَا فَرْضٍ مُقَدَّرٍ وَلاَ هو من العَصَبَة، ونعرف معنى مدلول الكلمة متى عرفنا مراد المتكلم، لأن الألفاظ ليست بذواتها وإنما على حسب مراد المتكلم، ولذا فإن مراد الله تعالى من القربى في قوله {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا
¥