وكان علم النسب قد بدأ بسيطاً نظراً لبساطة المجتمع الإنساني الأول. وحين كبر المجتمع الإنساني الأول؛ وتعددت المجتمعات البشرية، وبعدت الأنسابُ؛ وشَعُثَ العِمْرانُ؛ تبلورت حينئذ مفاهيم علم الأنساب، فَقُنِّنَتْ له القوانين المُنَظِّمَة والمُلْزمِة، وَسَنَّ له النسابون الضوابطَ والمصطلحاتِ والأساليب الفنية.< o:p>
وكان الفضل الأكبر في الإسلام للنسابة محمد بن السائب الكلبي ت204ه في تجديد هذا العلم لأهل الإسلام، فكان إمام أهل النسب بلا منازع، وصاحب أعظم وأثبت مدرسة في علم النسب في الإسلام، وهو أول من قعَّد له القواعد في الإسلام، وأصَّل له الأُصول، وخطَّ له الخُطَطَ التي مشَى على رسمها كل مَن جاء بعده، ولا يماري أحدٌ في أنهم كانوا عالةً عليه. ثم تتابع على ضبطه طوائف ثلاث:< o:p>
1. العلماء بالشرعيات.< o:p>
2. المؤرخون والأخباريون.< o:p>
3. الأدباء والشعراء.< o:p>
وقلَّما تجتمع هذه الأوصافُ في أحَدٍ من المشتغلين بالأنساب.< o:p>
وكان من الضرورات التي دعت إلى سن الضوابط والقوانين وإلى حفظ النسب والتأليف فيه؛ اختلاف الأديان والمذاهب، والألوان، واللغات، فكل أحد أراد أن يذُبَّ عن حوضه، ويحمي بيضته، وكلٌ أراد أن يُشْخِصَ نفسه، وأن يثبت وجوده، ويفرض إرادته، وهو ما يعَبَّر عنه بصراعِ الأيدلوجيات وصراع الحضارات.< o:p>
7/10 اسم علم النسب< o:p>
هو علم النسب، أو علم الأنساب جينالوجيا Genealogy .
وبعض فلاسفة العلوم لا يجعلونه من العلوم وإنما يعدونه فناً من الفنون، بل يعدونه قسماً من أقسام التاريخ إما علماً وإما فَنَّاً.< o:p>
ويقال لمن يمتهنه: ناسِبٌ، ونَسَّابٌّ، ونَسَّابةٌ، والنسابة لا تقال لأي عالم به، وإنما للبَلِيغ بعلمِ الأنساب، والهاء فيه للمبالغة؛ للاحترام والتعظيم، ويقال لمن جمع معه الأخبار والقصص والتاريخ: أخباريَّ. أما القصَّاص فتقال لمن يَقُصُّ الأخبار والوقائع ثم يخلطها بالأساطير والأكاذيب والخرافات، ولذلك فإنَّ قصص القرآن العظيم هي أحسن القصص لأنها لا تشتمل على الأساطير والخرافات؛ ولأن الله تعالى يختار من القصص ما تحصل به العبرة والموعظة والفائدة.< o:p>
8/10 استمداد علم النسب< o:p>
هو علم يستمد من تاريخ الناس، وأخبارهم، ومن اجتماعهم، وتناكحهم. ومصادر أخبار الناس كثيرة. < o:p>
أولها: الكتب المقدسة المنزلة من عند الله وأحاديث الرسل عليهم السلام.< o:p>
ثانيها: النصوص التاريخية. المدونة في الكتب، والكتابات الأثرية، والنقوش الحجرية، الصكوك العدلية، الشهادات البينة، وعند الفقهاء وإن كانت الشهادة سماعية من عدول، لأن الشهادة بالتسامع لا يُقرَّها الفقهاءُ إلا في النسب، والموت، والنكاح.< o:p>
ثالثها: النصوص الأدبية، من شعر ونثر.< o:p>
9/10 حكم علم النسب< o:p>
الحكم الأول: الفرض على العين. < o:p>
فهو فرضٌ على كل عين؛ إذا تعلمه الفردُ فإن الإثم يسقط عنه ولا يلحقه تأنيب الشريعة. إذ فرضٌ على كل إنسان أن يعرف قرابته ورحمه الذين يجب عليه أن يَصِلَهُم وَيَبَرَّهُم؛ وأن يعلم الرابطة التي بينه وبينهم، فإذن هو فرض عين لأجل الصِّلَةِ وَالموَدَّةِ. < o:p>
كما يفترض عيناً معرفة نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه الجملة وإلا كان المسلم مُقَصِّراً، ولكنه لا يَكْفُر خلافاً لابن حزم الظاهريِّ الذي كفرَّ بناءً على أصول مذهبه، ومن عرف نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه التفصيل فهو صاحب فضل. < o:p>
الحكم الثاني: الفرض على الكفاية. وهو يفترض على الكفاية في الأنساب البعيدة لأجل أن يكون في المجتمع مَن يَذُبُّ عن الأنساب دعاوى الكذَّابين؛ وخرافاتِ القُصَّاصِ؛ وأغراضَ الوضَّاعِين، ويبين عَوَرَهَا، ويفضح أهلها، ويكون مُعَلِّماً له، ناشراً لفضله، ناصحاً لأهله. فإذا تعلمه من حصلت به الكفاية في تعلمه فإن الإثم يسقط عن المجتمع فلا يلحقه تأنيب الشريعة.< o:p>
¥