" طَرِيق الْجَمْع بَيْنَ هَذَا النَّهْي وَبَيْنَ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَى الْجَوَاز، أَنَّ النَّهْي مَخْصُوص بِالْجَزْمِ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يَقَع، فَالْمَعْنَى: لَا تَقُلْ لِشَيْءٍ لَمْ يَقَع لَوْ أَنِّي فَعَلْت كَذَا لَوَقَعَ قَاضِيًا بِتَحَتُّمِ ذَلِكَ غَيْر مُضْمِر فِي نَفْسك شَرْط مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى، وَمَا وَرَدَ مِنْ قَوْل " لَوْ " مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا كَانَ قَائِله مُوقِنًا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُور وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقَع شَيْء إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّه وَإِرَادَته، وَهُوَ كَقَوْلِ أَبِي بَكْر فِي الْغَار " لَوْ أَنَّ أَحَدهمْ رَفَعَ قَدَمه لَأَبْصَرَنَا " فَجَزَمَ بِذَلِكَ مَعَ تَيَقُّنه أَنَّ اللَّه قَادِر عَلَى أَنْ يَصْرِف أَبْصَارهمْ عَنْهُمَا بِعَمًى أَوْ غَيْره، لَكِنْ جَرَى عَلَى حُكْم الْعَادَة الظَّاهِرَة وَهُوَ مُوقِن بِأَنَّهُمْ لَوْ رَفَعُوا أَقْدَامهمْ لَمْ يُبْصِرُوهُمَا إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى " فتح البارى 13/ 240: 241
وكذلك يجوز استعمال كلمة " لو " فيما لم يكن القول يشعر بعدم الصبر، و الأسى على ما فات مما لا يمكن استدراكه فالواجب على العبد التسليم للقدر، و القيام بالعبودية الواجبة و هو الصبر على ما أصاب العبد من مكروه.
قال القرطبى رحمه الله:
" وَلَيْسَ الْمُرَاد تَرْك النُّطْق بِلَوْ مُطْلَقًا إِذْ قَدْ نَطَقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فِي عِدَّة أَحَادِيث، وَلَكِنَّ مَحَلّ النَّهْي عَنْ إِطْلَاقهَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا أُطْلِقَتْ مُعَارِضَة لِلْقَدَرِ، مَعَ اِعْتِقَاد أَنَّ ذَلِكَ الْمَانِع لَوْ اِرْتَفَعَ لَوَقَعَ خِلَاف الْمَقْدُور، لَا مَا إِذَا أَخْبَرَ بِالْمَانِعِ عَلَى جِهَة أَنْ يَتَعَلَّق بِهِ فَائِدَة فِي الْمُسْتَقْبَل فَإِنَّ مِثْل هَذَا لَا يُخْتَلَف فِي جَوَاز إِطْلَاقه، وَلَيْسَ فِيهِ فَتْح لِعَمَلِ الشَّيْطَان وَلَا مَا يُفْضِي إِلَى تَحْرِيم "
فتح البارى 13/ 241
(2) استحباب التسمية فى جميع الأحوال حتى فى حالة الملاذ مثل الجماع.
(3) الإعتصام بذكر الله تعالى، و دعائه من الشيطان الرجيم، و قد وردت النصوص من القرآن الكريم، و السنة النبوية المطهرة تبين أن ذكر الله تعالى يعصم من الشيطان، ومن هذه النصوص ما يلى:
أولاً: النصوص من القرآن الكريم.
(1) قال تعالى:
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (الأعراف200:201)
أى: وإن تعرض لك من الشيطان وسوسة تثير غضبك، وتحملك على خلاف ما أمرت به من أخذ العفو الأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين، فالتجىء إلى الله، واستعذ بحماه، فإنه - سبحانه - سميع لدعائك، عليم بكل أحوالك. وهو وحده الكفيل بصرف وسوسة الشياطين عنك، وصيانتك من همزاتهم ونزغاتهم.
ثم بين - سبحانه - حالة المتقين فقال {إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ}.
طائف من الطواف والطواف بالشىء أى: الاستدارة به أو حوله. يقال: طاف بالشىء إذا دار حوله. والمراد به هنا وسوسة الشيطان وهمزاته.
أى: إن الذين اتقوا الله - تعالى - وصانوا أنفسهم عن كل ما يغضبه إذا مسهم شىء من وسوسة الشيطان ونزغاته التى تلهيهم عن طاعة الله وماقبته {تَذَكَّرُواْ} أى: تذكروا أن المس إنما هو من عدوهم الشيطان فعادوا سريعا إلى طاعة الله، وإلى خوف مقامه ونهوا أنفسهم عن اتباع همزات الشياطين.
والجملة الكريمة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر ببيان أن الاستعاذة سنة مسلوكة للمتقين، وأن الإخلال بها من طبيعة الضالين
وفى قوله {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ} إشعار بعلو منزلتهم، وقوة إيمانهم، وسلامة يقينهم لأنهم بمجرد أن تطوف بهم وساوس الشيطان أو بمجرد أن يمسهم شىء منه فإنهم يتذكرون عداوته، فيرجعون سريعا إلى حمى ربهم يستجيرون به ويتوبون إليه.
¥