خدم العلم عمره حتى صار شيخ الجماعة، وكان يقول: ((إن العلوم كلها نافعة))، فكان يبحث عنها كلها، ويتعلمها، حتى إنه تعلم لعبة الشطرنج فأتقنها، وتلاحين عود الغناء فكان يحركه، وبلغ الغاية العليا في علم العقائد. وأما الأصول؛ فذلك عشه، فيه يدرج، ويعرف كيف يدخل فيه ويخرج. وانفرد عن أهل زمانه بمعرفة تاريخ الملوك، والسير والعلماء على طبقاتهم، ومعرفة أيامهم. وكانت معه حدة في بعض الأوقات تمنع المتعلم من مراجعته والإكثار من مباحثته. وكان مولعا بأمثلة العامة؛ خصوصا عامة الأندلس، يستحسن لغتهم ولكنتهم، ويثني عليهم وعلى بلادهم الجزيرة، ويستحسنها ويتشوق إليها.
وكان يقال فيه: ((إن فهمه لا يقبل الخطأ!)). وله صناعة في التدريس؛ يجيد ترتيب النقول، ويتأنق في كيفية الإلقاء. وكان من عباد الله الصالحين؛ لا يفتر عن قراءة القرآن إلا في زمن المطالعة أو التأليف أو الإقراء أو ضرورياته. وكان أورع الناس في النقل؛ كاد أن لا يفارق لسانه: ((لا أدري))، أو: ((حتى أنظر))، أو كلاما يقرب من هذا.
وكان دمث الأخلاق، رقيق الحاشية، متقشفا في الدنيا، قانعا بما تيسر من المأكول والملبس، لا يحسن تدبير الدنيا.
وبالجملة؛ فهو كما قال بعضهم: ((آخر الناس بالمغرب، ولم يكن مثله في الفنون بالمغرب ولا جاء بعده من يقربه في علومه)).هـ. وفي "كفاية المحتاج": ((هو آخر فقهاء فاس؛ لم يخلف بعده مثله)).هـ. وقال في "درة الحجال": ((صارت الدنيا تصغر بين عيني كلما ذكرت أكل التراب للسانه والدود لبنانه!)).هـ.
وما يوجد في بعض نسخ "الكفاية" من أنه: ((كان يُنْبَذُ بالهِنات!)). لعله مدخل وملحق من وضع الحسدة، وإلا؛ فإمامته مشهورة. وتلك الزيادة لا توجد في بعض النسخ العتيقة. وثناء سيدي أحمد بابا عليه شهير في غير ما كثير من تآليفه.
أخذ – رحمه الله – عن شيوخ وقته جميعا؛ كاليسِّيتْني؛ وهو عمدته، وسُقَّيْن وابن هارون، وعبد الواحد الونشريسي، والزَقَّاق ... وغيرهم ممن اشتملت عليه فهرسته.
وأخذ عنه هو جماعة من المغاربة؛ كالشيخ أبي المحاسن الفاسي، وأخيه العارف بالله، وولده أبي العباس أحمد، وأبي العباس ابن القاضي صاحب "الجذوة" و"الدرة" وغيرهما ... وغيرهم.
وألف تآليف؛ منها: شرح "المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب"، وشرح ظريف لرجز "الزقاق" في الفقه، وحاشية كبيرة على شرح "الكبرى" للسنوسي في العقائد، وحاشية صغيرة عليه أيضا، وشرحان على قصيدة سيدي أحمد ابن زكري في الكلام؛ مطول ومختصر، وفهرستان؛ كبرى وصغرى، "ومراقي المجد في آيات السعد" ... وغير ذلك. قال النيجي: ((وكان لا يقرأ فنا إلا أقرأه إقراء من لا يعرف إلا ذلك الفن!)).
ولد – رحمه الله – سنة ست وعشرين وتسعمائة. قال في "مطمح النظر": ((ودفن خارج باب الفتوح، متصلا بقبر شيخه اليسيتني بمطرح الجنة)). ترجمه ابن القاضي في "الجذوة"، و"الدرة"، وأبو العباس السوداني في "الكفاية"، و"النيل"، وصاحب "الابتهاج"، و"المطمح"، و"الصفوة" ... وغيرهم. وأشار إليه الشيخ المدرع في منظومته عند عده لأولياء هذا الخارج بقوله:
وأحمدٌ إمامنا المنجور===سودده بين الورى مشهور
كان رئيس العلم في المعقول===والفقه والبيان والأصول
انتهت الترجمة المباركة ...
ملاحظة: وله ترجمة حافلة في "فهرس الفهارس" كذلك، فلتراجع ...
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[20 - 10 - 05, 09:29 م]ـ
جزاك الله خيراً أبا يعلى البيضاوي، وأبقاك ونفع بك.
والشكر موصول لأخي حمزة الكتاني، على هذه الترجمة الماتعة.
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[22 - 10 - 05, 10:17 ص]ـ
جزاك الله خيراً.
ـ[ضفيري عزالدين]ــــــــ[14 - 02 - 06, 01:12 ص]ـ
اللهم اختم لأخينا البيضاوي بالحسنى.
ـ[أبوعاصم الكرطوس]ــــــــ[14 - 02 - 06, 11:47 م]ـ
شكر الله لكم
ـ[خلدون الجزائري]ــــــــ[29 - 09 - 10, 12:02 م]ـ
...
ترجمة الشيخ المنجور رحمه الله: (926 - 995 ه) (1520 - 1587 م)
... من تصانيفه: ... وشرحان على قصيدة ابن زكري في علم الكلام مطول ومختصر. (ط) ابن زيدان: أخبار مكناس 1: 319 - 322، الكتاني: سلوة الانفاس 3: 60 - 62، التنبكتي: نيل الابتهاج 95 - 98، الكتاني: فهرس الفهارس 2: 6 - 8، ادعوا لاخيكم واستغفروا له ولوالديه
إذا ممكن معلومات أخرى عن الكتاب المشار إليه وإذا كان مطبوعا أو لا، وأين يوجد مخطوطا
ـ[إسماعيل بن علي المدغري]ــــــــ[07 - 10 - 10, 06:18 م]ـ
جزاك الله خيرا.
ـ[عبد اللطيف الحسيني]ــــــــ[20 - 12 - 10, 01:15 ص]ـ
رابط الكتاب المطبوع:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=40117&page=11