الغُرور في اللغة مصدر غر يغر غروراً، وهو الخداع بالباطل بسبب الجهل والغفلة وقلة التجربة، ومنه الانخداع بالأماني الباطلة، قال الله تعالى: {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً}
وقال آكل المرار والد امرئ القيس:
إن من غرَّه النساء بشيء = بعد هند لجاهل مغرور
وقال طرفة ابن العبد:
أبا منذر كانت غُروراً صحيفتي = ولم أعطكم بالطوع مالي ولا عرضي
أي منيتموني بالباطل حتى خدعتموني بتلك الصحيفة
والمغترّ المنخدع.
وغرته الدنيا: أي خدعته بزيتها فهو مغرور منخدع بها.
وغرر الرجل بنفسه إذا عرَّضها للهلكة.
والغِرُّ الذي لم يجرب الأمور فيسهل انخداعه.
والتغرير بالشخص تعريضه للخديعة لضعف رشده.
والغَرور هو الذي يَغُرُّ غيره.
والمغرور هو المنخدع به.
والغُرور هو وصف فعل الخديعة؛ قال الله تعالى: {فدلاهما بغرور}، وقال: {وما يعدهم الشيطان إلا غروراً}
قال الأصمعي: (الغَرور الذي يغرك، والغُرور الأباطيل).
فهذا تلخيص كلام علماء اللغة في معنى الغرور، وأقوال المفسرين في تفسير الآية لا تخرج عن هذا المعنى اللغوي.
وما شاع في القرون المتأخرة من إطلاق لفظ الغرور على معنى الزهو والعجب، وقولهم عن صاحب العجب والزهو: إنه مغرور، هو تخصيص لمعنى اللفظ وصرف له عن صريح دلالته في اللغة.
وصاحب العجب يصدق عليه أنه مغرورٌ لأنه منخدع بما غرَّه وفتَنه حتى أصابه ما أصابه من العجب والزهو.
لكن من الخطأ أن يظن أن دلالة اللفظ اللغوية على هذا المعنى هي باعتبار العجب والزهو، وإنما هي باعتبار الجهل والانخداع.
ثم تقسيم الغرور إلى محمود ومذموم أو أن منه ما ينبغي ومنه ما لا ينبغي تقسيم لا يصح.
لكن الصحيح أن يقال: إن منه ما يعفى عنه، ومنه ما لا يعفى عنه.
وأما قوله تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم}
ففيه مسائل:
المسألة الأولى: ما معنى هذا الأسلوب في اللغة؟ أي ما غرك بكذا؟ أو ما غرك بفلان؟
المسألة الثانية: ما معنى الاستفهام في الآية.
المسألة الثالثة: ما جواب الاستفهام؟ وما مناسبة ذكر اسم الله (الكريم) في الآية.
وهذا تلخيص لأجوبة هذه المسائل لخصتها لنفسي ولإخواني.
أما جواب المسألة الأولى: فالعرب تقول: ما غرك بفلان؟! تريد: ما جرَّأك عليه؟ وما خدعك حتى أصابك منه ما أصابك، أو فاتك من خيره ما فاتك؟.
- قال الأصمعي: (ما غرك بفلان؟ أي: كيف اجترأت عليه؟). ونقله أبو علي القالي عن أبي نصر.
وفي مواعظ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن القبر يقول لصاحبه إذا وضع فيه: (يا بن آدم ما غرَّك بي؟! قد كنت تمشي حولي فِدَادا). رواه ابن أبي شيبة وغيره، فداداً أي اختيالاً.
قال أبو إسحاق الزجاج: (أي ما خدعك وسوّل لك حتى أضعت ما وجبعليك؟).
وقد تناقله كثير من المفسرين.
ومن هذا الإطلاق قول الله تعالى: {وغركم بالله الغرور}
وأما جواب المسألة الثانية: فالاستفهام جامع لمعنى الإنكار والتوبيخ، وللمفسرين نحو خمسة أقوال في معنى الاستفهام، والقول في معنى الاستفهام فرع عن فهم دلالة الآية.
وأما جواب المسألة الثالثة فبيانه في قول الله تعالى: {وغركم بالله الغرور} أي خدعكم وجرأكم على عصيان الله الغَرورُ، وقد فُسر بالشيطان باعتبار المصدر، وفسر بالدنيا لأنها وسيلة، وقال بعض السلف غره جهله لأنه منفَذ الاغترار، وبه تسلط الشيطان على المغرور، وروي هذا المعنى (أن الذي غره جهله) عن عمر وابن عباس والربيع بن خثيم والحسن البصري.
وأما من قال: غرَّه كرمه؛ فخطأ لأن كرم الله لا يغرُّ بل يوجب الشكر، وإنما الذي يغر جهل الجاهل بما يجب أن يقابل به هذا الكرم، وعمايته عن العبر والآيات.
وهذا القول نقل معناه عن الفضيل بن عياض ويحيى بن معاذ وأبي بكر الوراق، وذكر الماوردي ما في معناه احتمالاً.
وقد أحسن ابن القيم وابن كثير في رد هذا القول فقال ابن كثير: {وقوله: {يَاأَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}: هذا تهديد، لا كما يتوهمه بعض الناس من أنه إرشاد إلى الجواب؛ حيث قال: {الْكَرِيمِ} حتى يقول قائلهم: غرَّهُ كرمه.
¥