بل المعنى في هذه الآية: ما غرك يا ابن آدم بربك الكريم-أي: العظيم-حتى أقدمت على معصيته، وقابلته بما لا يليق؟ كما جاء في الحديث: "يقول الله يوم القيامة: ابنَ آدم! ما غرك بي؟ ابن آدم! ماذا أجبتَ المرسلين؟ ").
وقال ابن القيم في الجواب الكافي: (كاغترار بعض الجهال بقوله تعالى: {يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم} فيقول: كرمه، وقد يقول بعضهم: إنه لقَّن المغترَّ حجته!!
وهذا جهل قبيح، وإنما غرَّه بربه الغَرور، وهو الشيطان ونفسه الأمارة بالسؤ وجهله وهواه، وأتى سبحانه بلفظ الكريم وهو السيد العظيم المطاع الذي لاينبغي الاغترار به ولا إهمال حقه؛ فوضع هذا المغتر الغرور فى غير موضعه واغتر بمن لا ينبغي الاغترار به).
وقال البغوي: (وقال بعض أهل الإشارة: إنما قال: {بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} دون سائر أسمائه وصفاته، كأنه لقنه الإجابة).
قال ابن كثير معقباً على هذا القول: (وهذا الذي تخيله هذا القائل ليس بطائل؛ لأنه إنما أتى باسمه {الْكَرِيم} لينبه على أنه لا ينبغي أن يُقَابَل الكريم بالأفعال القبيحة، وأعمال السوء).
والكريم من أسماء الله الحسنى ومعناه المتصف بكل كمال وصفات حسنى، فهو كريم في ذاته، كريم في صفاته، كريم في أفعاله، كريم في أحكامه لا يأمر إلا بالعدل والإحسان، كريم في ثوابه، كريم في إنعامه لا تحصى نعمه، ولا يُحَدُّ فضله، وهو الكريم الذي بيده الخير كله، فكل خير هو موليه والمتفضل به، وهو الكريم المتنزه عن كل نقص وسوء.
وهو الكريم فيما يأمره به وينهى عنه ويرشد إليه، {إن الله نعما يعظكم به}
فما الذي غر هذا الجاهل المغرور بربه الكريم فحرمه من ثواب ربه وعطائه وفضله العظيم؟!
وما الذي غره بربه الكريم الذي لا أكرم منه في ذاته وصفاته، الذي من كرمه تشتاق نفوس العارفين به أعظم شوق إلى لقائه والنظر إلى وجهه الكريم فما الذي غره بربه وحجبه عنه؟!
وما الذي غره بربه الكريم الذي لا يأمر إلا بالعدل والإحسان وما فيه زكاة نفس العبد وطهارتها وقيام مصالحه، ولا يكلف عبده ما لا يطيق؟!
وما الذي غره بربه الكريم الذي أنعم عليه بالنعم العظيمة من مبدأ خلقه إلى موته فقابله نعمه وإحسانه بهذا الكفر والنكران؟!!
فتدبُّر هذه المعاني ومعرفة أوجه اتصالها بمعنى اسم الكريم وآثاره في الخلق والأمر والجزاء يفتح لك أبواباً من فهم القرآن، والله الموفق والمستعان.
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[21 Dec 2010, 11:41 ص]ـ
شكر الله لك أخي الفاضل عبد العزيز على هذا الشرح الوافي الكافي جعله تعالى في ميزان حسناتك وزادك علمًا
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[21 Dec 2010, 01:19 م]ـ
ليسمح لي أخي الكريم صاحب الموضوع بهذه المشاركة وإنما ذكرتها لما فيها من ذكر تنبيه بعض الأئمة على بعض ما شاع من الأقوال الخاطئة في التفسير.
أخي الكريم
ما تفضلت به كله صحيح مع أنني صغته بطريقة مختلفة ولكنه ما خرج إلا من مشكاة واحدة. فقد قلتُ أن الغرور لا يمكن أن يكون للمسلم والخطاب للكافر المغرور. لأن المسلم لا يغتر بالله بل يطمع بمغفرة ربه. وقد جمعت كل الكلمات التي وردت في القرآن من جذر غرَّ فلم أجد واحدة منها على صيغة المدح وقد وردت كلها على الذم.
ولكن حسب الرابط الذي أرفقه الأخ العبادي جزاه الله خيراً يظهر ما تفضل به الشيخ الفاضل د مساعد الطيار الذي استحسن رواية الحسن البصري واستلطفها والتي تشير الى القول بأنه: غره كرمه. وهذا القول مغايراً لما قاله قتاده بأن الذي غره هو الشيطان. وقد ذهب الشيخ الطيار الى جواز الروايتين. مع ترجيحه واستلطافه رواية الحسن البصري.