ـ[عصام العويد]ــــــــ[23 Dec 2010, 04:54 ص]ـ
السّور الأول:
أن بيضة العفة لن يحميها من لُعاب الوالغين فيها بفروجهم أو بألسنتهم إلا حزم خازم وتنكيل بالغ في الدنيا قبل الأخرى.
"النور" لم تبدأ بفضل العفاف وذكر محاسنه والتنفير من ضده، بل ولم تخوف الزاني بعقاب الآخرة،
بل "النور" حين استهلت قالت:
ـ (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا .. ) (2)، وإن كان محصناً فيُرجم حتى يُثلغ رأسه بصحيح السّنة وإجماع أهل السنة.
ـ (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) مع أن الرأفة في أصلها ممدوحة ولكنها هنا ضعف في الإيمان لأن ههناشرطٌ (إِنْ كُنْتُمْ) فعدمه عدمٌ للمشروط (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، فمجردُ وجود "الشفقة" في تنفيذ الحد زال معه كمال الإيمان.
ـ ولا بد من التشهير (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
ـ ولم تكتف "النور" بهذا بل ضربت (عُزلة اجتماعية) و (حجراً صحيا) حتى تضيق دائرة الفُحش،
وحتى يتردد منثارت فورته ألفَ مرة وهو يتدبر كيف سيعيش بعدها في المجتمع إن كشف الله ستره
(الزَّانِي لَايَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّازَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (3)
فالعفيف لن يتزوج زانية، والعفيفة لن ترضى بزان، بقي أن يكونا زوجيين زانيين؛ كِخْ كِخْ فلنيقبل حتى الزاني أمَّ ولده فاجره، والزانية أيضاً كذلك.
فلابد بسلطان المجتمع أن يكونا عفيفين، إما أصالةً أو بتوبة، وإن رفضهما المجتمع بعد التوبة فهنا يتدخل التشريع ليفرض على المجتمع أن يقبل به أوبها فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وهذا هو الصحيح في تأويل الآية أنها على ظاهرها فلا يجوز تزويج الزاني من المحصن ذكراً كان أم أنثى حتى يتوب، وهو قول جماعة من السلف ونص الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من المحققين، وقد أخرج أبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم بإسناد حسن عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ كَانَ يَحْمِلُ الأَسَارَى بِمَكَّةَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي، فَنَزَلَتْ (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ , وَقَالَ: لا تَنْكِحْهَا.
وعند أحمد وأبي داود بإسناد لا بأس به مرفوعاً: "لا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلا مِثْلَهُ "قال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال الحافظ في البلوغ: رجاله ثقات.
ولأن الرضى بالزواج من الزاني أو الزانية دياثة منافية للغيرة المحمودة وفي الحديث عند أحمد وغيره مرفوعاً (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ)، وعند النسائي (ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ , وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ تَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ , وَالدَّيُّوثُ).
إن سُوْرَ "النور" الأول لحماية المجتمع من شيوع زنى الفرج - عياذاً بالله – هو:
"المجتمع الطارد" لهذه الرذائل، فهو مجتمع محصن، يجلدهم بلا رأفة، يشهر بهم، يحجر عليهم.
وقد بُدء بهذا السوْر لأنه أقواها ردعاً وأبقاها أثراً، لكنه "سوْرٌ جماعي" قبل أن تبنيه لابد أن تبني المجتمع الذي يتبناه.
فإن قيل: فأين التخويف بعذابالآخرة؟
فالجواب: قد جاء هذا كثيراً في ثنايا السورة، لكنالفاحشة إذا فارت في القلب طغت على نور العقل؛ فقلما يردعها تذكر الآخرة إلا عندعبادٍ لله مخلصين، بينما بأس الدنيا من الجلد والفضيحة وخوف نبذ المجتمع ينزع اللهبه مالا ينزع بالقرآن.
وإن قيل: وأين التحصين بالتربية وغرس محبة الطهر والعفة؟
فبيانه أن هذا وغيرَه سيأتي، ولكن هكذا شاء العليم الحكيم أن يرتب آيات هذه السورة العظيمة.
هذا هو السوْر الأول لتحصين الفرج.
وأما تحصين اللسان عن الفاحشة كما جاء في "النور" فشيء آخر:
¥