تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما أشارت إليه السورة أنه لا بأس من الحض والحث على الخير بوعد عاجلٍ يتحقق في الدنيا فقد خُلق الإنسان عجولا فقال سبحانه واعداً عباده المؤمنين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (55).

وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيم أمره ركن من أركان هذا الإيمان لا يقوم إلا به فقال سبحانه: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)، ومن تعظيمه ألا نتذاكى بالاحتيال على أمره ونهيه ونفحص بأذهاننا بحثا عن مخرجٍ حاذقٍ ليس عليك فيه في ظاهر الأمر مستمسك فقد قال الله (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا) قال قتادة: عن نبي الله وعن كتابه.

فمن أصر على الإعراض ومخالفة الأمر بطريق خفي أو جلي فوعيده من ربه (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (63)، فتنة الدنيا بزيادة الضلال، فبعد المعصية تصيبه البدعة، وبعد فعلها مع كرهه لها يُشرب قلبه حبها وهكذا، أو يؤخر ذلك له فيصيبه عذاب الله في الآخرة، عياذا بالله من الحالين.

الطريق الثانية لزيادة الإيمان: تكرار التفكر في الآيات الكونية.

وقد أكدت "النور" هذا المعنى مراراً في آياتها:

ومن ذلك قوله سبحانه (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (42).

وإنما خص الطير بالذكر لأنها تكون بين السماء والأرض إذا طارت فهي خارجة عن جملة من في السماوات والأرض ولذا نص على هذه الحال (صافات)، وقوله (كل قد علم .. ) أي أن الله علم صلاتهم وتسبيحهم له، وأيضاً هو الذي علمهم كيف يصلون له ويسبحونه، فكلا المعنيين صحيح.

ومن هذه الآيات قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) (43).

ومعنى (يزجي) أي يسوق، (ثم يؤلف بينه) أي يضم بعضه إلى بعض فيجعل المتفرقة قطعة واحدة، (ثم يجعله ركاما) أي يجعل السحاب بعضه فوق بعض، (فترى الودق) وهو المطر قال الليث: الودق المطر كله شديده وهيّنه.

ومنها قوله تعالى (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (44)

وقوله (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (45)

فلابد للمؤمن من طول الفكرة (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191]، وقد سأل رجل أم الدرداء بعد موت زوجها حكيم الصحابة رضي الله عنهما عن عبادته فقالت: كان يقضي نهاره اجمعه في التفكر.

وقيل لإبراهيم بن أدهم: إنك تطيل الفكرة، فقال الفكرة مخ العقل.

وقال سفيان بن عيينة: "الفكرة نور تدخله إلى قلبك"

وكان كثيرا ما يتمثل بقول الشاعر:

إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كل شيء له عبرة

وقال الحسن في قوله تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا) [الأعراف: 146] قال: أمنعهم التفكر فيها.

وقد جمع بين هذين الطريقين بأوجز عبارة الإمام الرباني الحسن البصري فقال: ما زال أَهل العلم يعودون بالتذكر على التفكُّر، وبالتَّفكُّر على التَّذكُّر، ويناطقون القلوب حتى نطقت.

وأبلغ منه جمع الله تعالى لهما في آخر آية من سورة النور: (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير