ـ[عصام العويد]ــــــــ[23 Dec 2010, 07:16 ص]ـ
ـ المثل النوراني وأسوار العفة:
جمع الله علم "سورة النور" كاملة من دون نقصان في هذا المثل العظيم الذي هو واسطة عقد السورة، وهو من أعظم أمثلة القرآن لمن فهمه وأدراك غوره، وذاك أن الطُّهر والفضيلة والعفة "نور"، وأن أضدادها من الصفات "ظلمة"،
فجاء هذا المثل الرباني ليُبِين بجلاء لا لبس معه عن ماهية وحقيقة هذا النور وصفاته واستمداده ووسائل تقويته وتنقيته وطُرق حمايته واستدامة جذوته وغير هذا، وصدق الله إذ يقول (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت: 43]،
وهاك بيان مُفصلٌ مُجدولٌ لعله يزيل الاشتباك ويدفع الارتباك في فهم هذا المثل وما يرمي إليه.
يقول الله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (35).
جدول يوضح معاني المثل النوراني:
"تجده في المرفق سلمك الله"
ـ[عصام العويد]ــــــــ[23 Dec 2010, 07:31 ص]ـ
ـ المثل النوراني وأسوار العفة:
يتبين مما سبق أن المشكاة والمصباح والزجاجة والشجرة والزيت إنما تمثل حلقات الإيمان بدءاً بشجرته ثم زيته وفتيله ونوره وزجاجته ومشكاته وكلها قلبية، فالطهر والعفة أصلها في القلب، وهي نور زيتها الإيمان، وهذه كله تأكيد على أن الإيمان يجب أن يكون قبل الأمر والنهي.
وهكذا تنزل القرآن ففي صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ (بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ".
وهذا الوصف منها لبيان أثر المنهج الذي تنزّل به القرآن وأن مخالفته من أعظم ما يكون خطراً على مَن نربيهم من بنين وبنات، فإن قولها (وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا) بيان لحال الصحابة مع نهي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالآمر هو الله والمبلغ الرسول والمأمور الأصحاب ثم بعد هذا لو أن منهج التدرج الموافق لتربية القرآن خُولف فرد المدعوين سيكون صريحاً (لا ندع الزنا).
فما بالك بجواب غيرهم من بقية الأمة حين يُقال لهم أولاً (لا تزنوا، لا تنظروا إلى الحرام .. لا تسمعوا الخنا .. لا .. لا .. )؛ الجواب نراه عياناً بياناً في موقف الأمة من أوامر ربها وأوامر رسولها صلى الله عليه وسلم، ولاشك أن هذا سبب رئيس في ضعف أثر تزكيتنا وتربيتنا على الناس، ولابد لنا من التفطن له.
وهذه المسألة جليلة كبيرة القدر جداً، قد خفي على كثير من أهل القرآن وجه الصواب فيها، فوقعوا في خلاف منهج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج أصحابه رضوان الله عليهم.
ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه القرآن هو تعليم الإيمان أولاً قبل تعليم الأحكام، وهي داخلة ضمن القاعدة المشهورة عند السلف في التعليم (العالم الرباني: هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره)، وقد بسطت الكلام عليها في غير هذا الموطن.
¥