إضافة لما ذُكر وقعت في عهد السلطان عبد الحق محنة كبرى، وهي قيامه بمذبحة رهيبة استهدفت الوزراء والحجاب، فكان ذلك سببا من الأسباب التي أدت إلى مقتل السلطان عبد الحق وانحلال دولة بني مرين ونهايتها (4).
أما في عهد الوطاسيين، فقد ازداد الوضع تدهورا باستيلاء البرتغال على أكثر شواطئ المغرب، وما حلّ بالمواطنين من نزاع وشقاق وفساد في الأخلاق والدين (5)
أما في جنوب المغرب، وبمنطقة السوس – بلد الشوشاوي –: فإنها لم تعرف استقرارا خلال هذه الفترة، حيث وقعت حوادث وفتن، منها:
ثورة عمرو بن سليمان السيّاف، بيان هذه القصة: أنه لمّا قتل الشيخ محمد بن سليمان الجزولي سنة 870 هـ، وقيل إنه مات مسموما على يد بعض الفقهاء، كان عمرو بن السيّاف أحد تلاميذه، فلما سمع بمقتله قام يطالب بثأره ممن قتله من الفقهاء فانتقم منهم، ثم أخذ يدعو إلى الصلاة، ويقاتل عليها، ولم يقف عند هذا الحدّ، بل ادّعى علم الغيب، وقاتل كلّ من ينكر عليه ذلك، وسمّي أتباعه بالمريدين، ومخالفيه بالجاحدين، واستمرت ثورته عشرين سنة، إلى أن قُتل سنة 890 هـ، فاستراح الناس من شرّه (6).
ولقد وصف الرحالة والمؤرّخ حسن الوزان الحالة السياسة لبلاد السوس، فقال: إن سكان بلاد حاحا في حروب أهليّة لا تنقطع (7).
ويقول عن مدينة تارودانت: بسط المرينيّون نفوذهم على سوس، واتخذوا من تارودانت مركزا لإقامة نائب السلطان في هذا الإقليم، وتخضع تارودانت لحكم الأعيان، ويتداول أربعة منهم مجتمعين السلطة لمدة لا تزيد عن ستة أشهر (1).
هذه بعض نماذج من أوصاف الحسن الوزان لبعض مدن سوس، والتي اتسمت بالفوضى والحروب القائمة بين الأهالي.
أما الحياة الفكرية، فقد شهدت تقدّما ملحوظا في هذه الفترة على الرغم من الاضطرابات والفتن التي كانت تشهدها البلاد أواخر الدولة المرينيّة.
فها هي مدينة فاس قد شهدت حركة علميّة، وازدهارا ثقافيّا كبيرا، من ذلك: كثرة بناء المدارس والمساجد فيها، التي كانت تشعّّ بالعلم والعلماء (2).
كما استمرت العناية بشؤون المدارس في عهد الوطاسيين، وانتشرت الكتاتيب وكانت الآيات القرآنية تكتب في ألواح خشبية، وتحفظ، ثم تُُمحى ليكتب غيرها من الآيات الموالية (3).
وبما أن موطن الشوشاوي منطقة السوس، فإنه لابدّ لنا من إلقاء نظرة على الحركة العلمية فيها، حيث كانت هذه الفترة تزخر بالعلوم، تكاد تضاهي مدينة فاس يصف العلامة المختار السوسي هذه الفترة، قائلا: " كان القرن التاسع قرنا مجيدا في سوس، ففيه ابتدأت النهضة العلمية التي رأينا آثارها في التدريس والتأليف وكثرت تداول الفنون "، ويقول بعد ذلك: " زخرت سوس عِلْما بالدراسة والتأليف، والبعثات تتوالى إلى فاس ومراكش وإلى الأزهر، حتى كان كلّ ما يدرس في القرويين يكاد يدرس في سوس " (4).
وفي هذه الفترة بدأ الاهتمام بإنشاء الخزانات وتنظيمها في إقليم سوس، كخزانة الأسرة العمرية، وخزانة الأسرة التاتلتية (5).
وقد كان من أهم مظاهر النشاط الفكري في هذه الفترة ظهور عدد كبير من الفقهاء والصوفييّن، واستمرت العناية بشؤون المدارس في هذه الفترة، من بينها: المدرسة البرحيلية نسبة إلى أولاد برحيل من قبيلة المنابهة بضاحية تارودانت، والتي أسّسها العلامة حسين الشوشاوي، وأمضى فيها حياته، ثم تتابعت الدراسة فيها إلى أوائل القرن الثالث عشر، ثم ضعفت بعد ذلك (6).
وقد اعتنى السوسيّون بأكثر من عشرين عِلما، من بينها علم القراءات، الذي كان من الفنون السوسيّة التي سايرت عصرهم العلمي من قديم، حيث كان هذا العلم يدرّس بمؤلفات الشاطبي (1)، وابن بري (2)، والخراز (3)، وكانوا يتبارون على حفظها عن ظهر قلب، علاوة على حفظ القراءات السبع أو العشر (4).
كما كان للسوسيّين – أيضا – مؤلفات في هذا الفن، من بينها مؤلفات الشوشاوي – التي كان لها الصدارة في هذا الجانب –، كشرحه على قصيدة الخراز، المسمى: "تنبيه العطشان على مورد الظمآن"، و "حلة الأعيان على عمدة البيان"، وشرحه على نظم ابن بري، المسمى: "الأنوار السواطع على الدرر اللوامع" (5).
¥