أمّا القفز فوق الخطاب وعالم النص والخروج عن فهم النص، فقد أوصلنا إلى حافة الانهيار، فأصبحنا نتلاعب بالألفاظ والمصطلحات، وانقلبت المفاهيم والمعايير. فغدا الحق باطلاً، والباطل حقاً، والمنكر معروفاً والمعروف منكراً. بل أكثر من ذلك بدأنا نرى الظلام نوراً والنور ظلاماً بسبب غياب منهجية القراءة السليمة، والعزوف عن فهم المعارف والعلوم. وبدلاً من العيش في منابع الحق والحقيقة، أمسينا جثثاً هامدة أفراداً وجماعات، وبدلاً من التمسك بمناهج العلم والأخذ بأسباب القوة. رضينا بمعيشة الذل والهوان تحت حراب الأعداء.
ومن الأسس التي يقوم عليها هذا المنهج ما يلي:
· شمولية النص:
إن دراسة النص أصبحت شموليةً. وهذا يعني أن دراسة النص لم تعد منغلقة على نفسها، وإنما بدأت تدخل في حسابها مكتسبات العلوم الأخرى، التي تهتم بالاتصال الإنساني، من معرفة أحكام شرعية وفقهية ومجالات التاريخ وعلم النفس، وعلم الاجتماع وعلم النفس المعرفي، وغيرها. فمعرفة النصُ أصبحت صناعة متكاملة تحتاج لدراستها فهم أنماط الحياة البشرية، فالنص بهذا المفهوم يصبح مدخلاً لفهم الحياة، ويؤسس طريقاً واضحاً لحياة الأفراد والجماعات.
"ولذا فإن لغة علم النص لا تتوقف عند كلمات النص، وما يمتلكه مستويات الدرس اللغوي من أصوات وصرف ونحو ودلالة فحسب. وإنما يحاول النفاذ إلى ما وراء النص الجاهز من عوامل معرفية ونفسية واجتماعية، ومن عمليات عقلية، كان النص حصيلة لتفاعلها جميعاً ". (4)
وهذا يؤكد أن أهمية النص تكمن فيما يؤثره في القارئ، وما يخلقه من تثوير داخلي في نفسه، كذلك وما يحدثه في نفسه من نقلة نوعية في التفكير، ومن السطحية في التعامل مع الأشياء، إلى عمق الرؤية ورحابة الحياة.
وإن قراءة النص قراءة منهجية تعني صياغة جديدة لإنسان متطور، لا يقبل العيش داخل الرقع الصغيرة، والانضواء تحت سلطة التقزيم والانكسار والترهل والهزيمة، بل يجعل من فهم النصوص عالماً متجدداً يساهم في خلق واقع متغير وثابت، وبمقدار الدخول في عالم النص نستطيع زحزحة المشكلة التي نعيشها ونعني بها غياب الإنسان العربي عن صناعة الأحداث العربية والعالمية والتأثير فيها.
"فنحن نبحث عن قارئ يشتغل على النصوص مساءلة واستنطاقاً، أو حفراً أو تنقيباً أو تحليلاً وتفكيكاً، وإلى قارئ يدرك بأن النص بات يشكل منطقة من مناطق عمل الفكر. وهذا ما يجعل منه حقلاً يتكشف فحصه والاشتغال فيه عن إمكان للوجود والفكر معاً. ومعنى الإمكان هنا ان استكشاف النص يؤول إلى إعادة ترتيب علاقتنا بوجودنا ومقولاتنا بالحقيقة والذات والعقل والمعنى والمؤلف والقارئ." (5)
*الاستفادة من الدراسة البنيوية:
تعتبر البنيوية ثورة في المناهج الحديثة في الدراسات الأدبية. بل نستطيع أن نقول إنها انقلاب في التفكير الإنساني، ونظرة جديدة لفهم الإنسان، والأدب، والحياة. ليس من خلال طرحها أسلوباً صارماً للتحليل المتأسس في علم الألسنية" Linguistics"، بل كونها أيضاً "فلسفة ورؤية قادرة على تجديد كل إحساسنا بمعنى الحياة، ففي سنة 1963 كتب رولاند بارت " Roland Barthes " ، قائلاً بأن البنيوية تسلط الضوء على العملية الإنسانية الصحيحة التي يعطي البشر من خلالها معنى للأشياء. هكذا يمكن أن يكون الإنسان الجديد بالنسبة للبحث البنيوي. (6)
وهناك من الدارسين من يحاول هدمها ولكن هناك من الدارسين الذين عمدوا إلى تطويرها، أمثال ليفي ستراوس" Levi Straws " في كتابه المثولوجيا، ومقدمة في التحليل البنيوي وغريماس" Greimes" في كتابه " دلالات الالفاظ البنيوية"، وتودورف " Todorov" في شاعرية النثر " ومقدمة في أدب الفانتازيا". واصبح ما يعرف الآن بمصطلح ما بعد البنيوية. هذه هي الأوضاع التي نتكلم عنها في الغرب ولا سيما في فرنسا. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، هل ما زلنا نحن العرب نحتاج إلى البنيوية وغيرها؟
وأعتقد أننا لم ندرس البنيوية بشكل كاف حتى نحكم عليها، وعلى مدى صلاحية هذا المنهج وأهميته لدراسة أدبنا. سيما ونحن نعرف أن أكثر الدارسين العرب في المدارس والجامعات لا يستخدمون المناهج الحديثة في دراساتهم.
¥