تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأعتقد أن موجة رفض المناهج الحديثة تعد المشكلة الكبرى التي تواجه ثقافتنا ودراستنا الأدبية خاصة والتربوية عامة، فلقد انقسم الدارسون إلى ثلاث فئات: فئة ترفض كل ما هو جديد من مناهج دراسية نقدية وتربوية، وهم الأكثرية، وفئة أخرى أخذت تطبق المناهج الحديثة، دون نظرة إلى خصوصية الثقافة العربية والإسلامية. وقسم آخر أخذ يشق طريقه بصعوبة لاستيعاب المناهج الحديثة ولا سيما البنيوية والسيميائية، والاستفادة منها في خلق إنسان عربي جديد، يرفض الانزواء والانطواء والتقوقع والهزيمة.

وأعتقد أن الصنف الأخير هو ما نحتاجه ونبحث عنه في مدارسنا وجامعاتنا العربية، ونعني بذلك أولئك الذين يؤمنون بالمنهجية طريقة لفهم الحياة، ضمن استيعاب خصوصية التراث لهذه الأمة، إضافة إلى العمل على تعميق الانتماء والهوية لها.

إن المنهجية البنيوية لدراسة النص الأدبي هي المدخل الأساسي لاستيعاب الحياة المعاصرة، وتكوين رؤى ثاقبة لفهمها، كما يقول كمال أبو ديب: " إن هدف هذه المهنجية أنها تعمل على تغيير الفكر العربي في معاينته للثقافة والإنسان والشعر، وإلى نقله من فكر تطغى عليه الجزئية والسطحية والشخصانية إلى فكر يترعرع في مناخ الرؤية المعقدة المتقصية، والموضوعية والشمولية والجذرية في آن، أي إن هذه المنهجية رفضية نقضية، لأن الزمن لم يعد زمن القبول بالرقع الصغيرة " (7)

وعن دور هذا المنهج في الحياة والوجود يقول: "البنيوية ليست مجرد فلسفة نظرية، ولكنها طريقة في التصور والفهم، ومنهج في معاينة الحياة والوجود، لهذا فهي تثوير جذري للفكر وعلاقته بالعالم" (8).

يقول الشاعر طرفة بن العبد في معلقته:

ألا أيهُّذا الزاجري أحضُر الوَغى

فإنْ كنْتَ لا تَستطيعُ دفعَ منيتّي

ولولا ثلاثُ هنّ من عيِشَة الفتى

فَمنّ سَبقي العازلات بِشَربةٍ

وكرّي إذا نادى المُضافُ محنّبا

وتقصيرُ يَوم الُدّجنِ والُدجّنُ مُعجِبُ

وأن أشهد اللذاتّ هل أنت مخلدي

فَدعنى أبادْرها بما مَلكتْ يدي

وَجدِّكَ لم أَحفلَ متى قام عُوّدي

كُميْتٍ متى ما تُعل بالماءِ تزُبدِ

كَسيدِ الغَضى نبّهتَهُ المتورّدِ

ببِهكنَةٍ تحت الطّراف المعمّد (9)

إنّ الدراسة عير المنهجية لهذه المعلقة، جعل أكثر الدراسين ينظرون إلى الشاعر طرفة بن العبد على أنه مجرد شاعر عابثٍ لاه، لا يهتم بقبيلته، وفي ذلك يقول الدكتور سعد دعيبس عن هذا الشاعر في هذا المقطع: "فالإنسان عنده عرض لا مبرر لوجوده، وزائد دائماً عن الحاجة، ولذلك فإن العبث هو الكلمة النهائية في رواية الإنسان، إنها وجهة نظر فردية ممعنة في فرديتها لا تبالي إلا بالأنا، ولا تهتم إلاّ بالفعل الوجودي لها، وليذهب المجتمع بعد ذلك إلى الجحيم" (10).

ومثل ذلك ما قاله الدكتور مصطفى ناصف: "يقف الشاعر طرفة بن العبد موقف التحدي من الشعور الديني السائد بين الناس، ولكن هذا التحدي يحمل طابع المآساة، طابع العجز والقدرة طابع الإنسان المحدود، والعقل غير الحدود" (11).

أما الدراسة المنهجية فتقول: تتكون هذه المفردات الشعرية في هذا المقطع مما يلي: المنية حتمية، وعدم الخوف، وحضور المعارك، والاقبال على الحياة. فثلاثية حياة الشاعر هي: المرأة، والخمر والفروسية، المرأة استعمل معها تقصير اليوم الماطر، وشرب الخمر ضرورة حياتية في الجاهلية، أما الفروسية فهي الأساس في حياته فاستعمل معها الكر دون الفر، وأنه الذئب المتوثب دائماً للأنقضاض على فريسته.

إن الدراسة المتعمقة للنص ترينا الشاعر فارساً ومدفعاً عن قبيلته التي تعرف بأسه وقتاله، فهو الفتى الذي يلبي نداء قبيلته حينما يدعو داعي الحرب.

وفي ذلك يقول:

إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم اتبلّد (12)

إنه الفتى المدافع عن قبيلته دون كسل أو تبلد، ثم يكمل معرفاً على شخصيته قائلاً:

أنا الرجلُ الضربُ الذي تَعرفونني

فاليتُ لا ينفك كشحي بطانهً

حُسام إذا ما قُمتُ منتصراً به

أخي ثقةٍ لا ينثني عن ضريبةٍ

إذا ابتدر القومُ السلاحُ وجدتني

خَاشّ كرأس الحّية المتوقّدِ

لعضب رقيق الشفرتين مهند

كفى العودُ منهُ ليس بمعضَدِ

إذا قيل مهلاً قال حاجزه قدي

منيعاً إذا بلّت بقائمة يدي (13)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير