تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يجد الباحث في كتب اللغة العربية الكلاسيكية بغير عناء ظاهرة النحت ووظيفته، وهي وظيفة تقوم على مبدإ الاختصار والاختزال. فالنحت هو «أن تؤخذ كلمتان وتنحت منهما كلمة تكون آخذة منهما جميعا بحظ. والأصل في ذلك ما ذكره الخليل من قولهم حيعل الرجل، إذا قال حيَّ على.» (1) ما يفهم من تعريف ابن فارس (ت: 395) هو إنشاء كلمة جديدة، بعض حروفها موجودة من قبلُ في كلمتين أو أكثر. وقد أدى هذا الفهم بالكثير من العلماء إلى اعتبار النحت نوعا من الاشتقاق ميزوه من الصغير والكبير بمصطلح الاشتقاق الكبّار.

ومهما يكن من أمر التسمية فإن وظيفة النحت تقتضي منا أن نتساءل عن دواعي الاختصار؟ وعمّن يقوم به؟ كما تدعونا إلى البحث عن تفسير ملائم لأسباب اطراد هذه الظاهرة في العربية الكلاسيكية وشذوذها في العربية المعاصرة.

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة يستحسن أن نستحضر النماذج اللغوية العربية التي اختصرها النحت إلى كلمة. وقد اقتضى ذلك أن نصنف هذه النماذج إلى مجوعات محددة:

المجموعة الأولى:

بسم الله الرحمن الرحيم: البسملة.

الحمد لله: الحمدلة.

لا إله إلا الله: الهيللة.

لا حول ولا قوة إلا بالله: الحوقلة.

سبحان الله: السبحلة.

حسبي الله: الحسبلة.

ما شاء الله: المشألة.

سلام عليكم: السمعلة.

أطال الله بقاءك: الطلبقة.

أدام الله عزك: الدمعزة.

جعلت فداك: الجعفدة.

الله أكبر: التكبير

المجموعة الثانية

يقال في النسبة مثلا هذا رجل من

عبد شمس: عبشمي

عبد الدار: عبدريّ

عبد القيس: عبقسيّ (2)

تكفينا هاتان المجموعتان لرسم صورة عامة عن النحت في العربية القديمة؛ إذ النماذج التمثيلية كثيرة في كتب اللغة وفقهها.

ما يلاحظ في المجموعة الأولى أمران اثنان: الأول هو أن الكلمة المنحوتة قد اتبعت تركيبا منتظما بين حروف الجملة. ويسمح هذا الانتظام باحتمال استنتاج زمرة من القواعد التي اتبعها النحت في هذه المجموعة. ولعل أبسطها أخذ بعض الحروف المتباينة من كلمات الجملة، فتكوين كلمة من الأحرف المجتباة، ثم ختمها بالتاء إن كانت موافقة للنظام الصرفي العربي، أو تحويلها إلى وزن آخر خال من التاء، نحو التكبير.

وإذا افترضنا أن هذا الانتظام يعكس نسبة معينة من الاطراد فإن مرده فيما يبدو راجع إلى أن بنية هذه الجمل هي بنية ثابتة، إلى درجة يجوز تصنيفها ضمن التعابير المسكوكة les expressions figées . ومن ثم نتساءل: أيجوز أن يكون النحت مطردا في التعابير المسكوكة ما دام الكثير من العلماء يرونه سماعيا لا يخضع إلى قواعد مضبوطة؟ (3)

أما الأمر الثاني فهو حضور الحقل الدلالي الديني وتغطيته لكل النماذج التمثيلية في هذه المجموعة؛ الشيء الذي يمكننا من أن نخصصها بمصطلح التعابير الدينية المسكوكة، تمييزا لها من التعابير المسكوكة المعروفة في اللغة العربية.

على هذا الأساس إذا عمّمنا هذه النتيجة وقلنا إن النحت يطرد في التعابير الدينية المسكوكة، فإنّ هذا التعميم يكون مبتورا إن لم نستخرج كلمة منحوتة من الجملة الدعائية التالية: صلى الله عليه وسلم (4). لا ريب أن اللغة العربية لم تستخرج من هذه الجملة كلمة منحوتة، على الرغم من مواصفات التعابير الدينية المسكوكة الموجودة فيها. وقد يجد غياب النحت في الجملة الدعائية تفسيره لاحقا.

أما النماذج التمثيلية في المجموعة الثانية فمن الصعب جدا اعتبارها من التعابير المسكوكة؛ وهذه حال تثبت قيام النحت على مبدأ السماع دون القياس. وقد عالج الباحثون هذا الموضوع بما فيه الكفاية في أبحاث متعددة. يكفي أن نحيل، على سبيل التمثيل لا الحصر، على مقال محمد السيد علي بلاسي (5).

إذا كانت وظيفة النحت هي الاختصار فمن ينتجه؟ وما هي دوافع إنتاجه؟ وما هي طبيعة هذه الدوافع؟ تنصب هذه الأسئلة على الأبعاد التداولية للنحت، ولهذا تنطلق الإجابة عنها من متن المجموعتين التمثيليتين المذكورتين آنفا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير