تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ما يلاحظ إذن، هو أن البنية الصوتية للنطق بالحرف الواحد في الأبجدية العربية يتكون من أربعة أصوات على الأقل موزعة بين صوامت وصوائت، ويرتفع العدد إلى أكثر من ذلك إذا أدخلنا الحركات الإعرابية. ومن ثم يصعب أن يتأسس نحت كلمة من مجموع كلمات عدة في اللغة العربية بناء على هذه المعطيات الصوتية. وإذا أردنا أن نقرأ هذه المتوالية الصوتية قراءة صوتية: ص. ن.د بوصفها كلمة منحوتة من متوالية من الكلمات هي: صندوق النقد الدولي، فإننا نكون مجبرين على اختيار إحدى القراءتين: الأولى هي/? aad.nuun.daal/، والثانية هي:/? unada/.

ومن هنا تكون القراءة الأولى خالية من دلالة مادامت صورتها النهائية هي صورة من يقرأ حروفا أبجدية عربية، وتكون الثانية ـ وهي المعبرة عن صورة النحت ـ غير مقبولة في نظام اللغة العربية صوتيا وصرفيا.

وإذا رجعنا إلى الكلمتين المنحوتتين حماس وباسم فإننا نلاحظ أن نظام اللغة العربية يقبلهما باعتبارهما كلمتين أصليتين معروفتين في المعجم العربي، ومن ناحية أخرى نلاحظ آثار النحت بادية عليهما معا؛ فإلى جانب أن كلمة حماس اتبعت نهج النحت في اللغات الغربية فإن الميم في الأصل مضمومة (المُقاومة) في حين هي مفتوحة في المنحوتة، والألف مهموزة ومكسورة في الأصل (الإِسلامية) في حين هي مهموسة وساكنة في النحت. وقد لحق التغيير عينه إخراج كلمة باسم. وهذا أمر يثبت أن الانتقال من أصل إلى فرع يصاحبه اختلاف طفيف لا يؤثر في العلاقة الوطيدة بين الأصل وفرعه.

واضح إذن، أن الأسباب في عدم شيوع النحت باللغة العربية المعاصرة تعود إلى البنية الصوتية العربية، وهي بنية ـ كما رأينا ـ لا تساعد على الاختزال والاختصار، الأمر الذي تكون فيه العلل موضوعية وليست ذاتية.

وعلى الرغم من موضوعية هذه العلل فمن المعروف أن الفرد العربي ـ مثقفا كان أم أميا، عالما كان أم جاهلا ـ يختار لأبنائه، في لحظة الولادة، الأسماء الجميلة والخفيفة والمعبرة؛ فلماذا ينعدم هذا الحرص لدى جماعة من الناس؟ وللتوضيح بشكل آخر، أقول: إذا كانت الشركات التجارية والصناعية الكبرى هي التي تساهم في نمو الاقتصاد الوطني، فإن المشرع ينص على أن تأسيس شركة كيفما كان نوعها وغرضها ينبغي أن يكون لها اسم يحمل عنوانها لتعرف به وتتميز به من غيرها. ولما كانت أسماء الشركات غالبا ما تنحت من أسماء الشركاء في شركات الأشخاص، ومن أسماء الغرض التجاري في شركات الأموال، فلماذا لا يتم التفكير بشكل علمي في الاسم المنحوت ليكون موافقا لقيود اللغة العربية خفة وجمالا وتعبيرا؟ فالأمر ليس بالمستحيل ولن يكون مستحيلا، مادام تحقيقه قائما على استشارة الباحثين والعلماء في اللغة.

قد يتحقق منهج النهوض بظاهرة النحت في الصحافة العربية إذا كانت اللغة السائدة في المعاملات التجارية والاقتصادية داخل دواليب الإدارة هي العربية؛ أما والعكس هو السائد فإن حظوظ الاستفادة من وظيفة النحت تبقى ضعيفة جدا.

سبق لمجلة اللسان العربي أن نشرت هذا المقال مشكورة في عددها 52، ديسمبر 2001

الهوامش

(1) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1979، 1/ 328 ـ 329.

(2) السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرحه وضبطه: محمد أحمد جاد المولى وآخرون، دار الفكر، ب ت، 1/ 482 ـ 484.

(3) نفسه، ص: 484.

(4) سنناقش هذه المسألة لاحقا.

(5) انظر بشكل خاص الفقرة المعنونة النحت (بين السماع والقياس)، محمد السيد علي بلاسي، النحت في اللغة العربية، «اللسان العربي»، ع:47، يونيو، 1999، ص:279.

(6) الديوان، شرح محيي الدين عبد الحميد، ط1، دون تاريخ، ص: 498، المادة الشعرية رقم: 413، والبيت مفرد، وقد أشار الشارح إلى أنه ورد في نسخة أخرى بلفظ «فيا حبذا ذاك الحديث المبسمل»

(7) طبرخزي منحوتة من طبرستان وخوارزم.

(8) المقصود من العربية المعاصرة اللغة المستعملة في الصحف والمجلات العربية.

(9) إميل بديع يعقوب، فقه اللغة العربية وخصائصها، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، بيروت، 1982، ص:212.

(10) نفسه، ص:209.


(*) كلية اللغة العربية (جامعة القرويين) مراكش ـ المغرب

ـ[محمد يسري]ــــــــ[03 - 02 - 2007, 01:04 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي الحامدي

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير