تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و لم يدر الكاتب أنّ الذكر في القرءان يمكنه أن يكون من النساء و أنّ الأنثى يمكنها أن تكون من الرجال و أنّ مفهوم النساء متعلق بالتأخر و لا علاقة له بجنس. و لو كان القرءان حصر الحديث عن الأنثى في سورة النساء لما جاء ذكر الأنثى في غيرها من السور و يكفي للتدليل على خطأ هذا القول التذكير بسورة مريم، و لا شك أنّ لفظ النساء الذي أُتخذ مرادفا لجمع الإناث أضفى على الخطاب القرءاني موجة ذكورية. و لو انتبه الناس أنّ هذا اللفظ لا يعني بحال الأنثى حصرا بل متعلق بكل تأخر في أمر ما سعيا و كسبا و قوامة أو حركة لما وقعوا في الفخ الكهنوتي المنصوب و كان يكفي أن يقرءوا هذه الأية ليزول الإشكال عندهم:

"و يستفتونك في النّسآء؟ قل الله يفتيكم فيهن و ما يُتلى عليكم في الكتاب في يتامى النسآء الّتى لا تؤتوهنّ ما كتب لهنّ و ترغبون أن تنكحوهنّ و المستضعفين من الولدان و أن تقوموا لليتامى بالقسط؛ و ما تفعلوا من خير فإنّ الله كان به عليما"

النساء:127

هل هناك "يتامى الإناث"!! هذه الأية وحدها تنسف زعم الكهنوت أنّ النساء هي جنس الإناث دون أن يغوص القارئ في بنية القرءان اللفظية و أنّها عربية أي جذرية و أنّ إنتفاء العلاقة في الجذر بين النساء و الإناث يجعلهنا مفهومان مختلفان.

كل هذا لا يأتي دون تحوير شامل لقواعد كهنوتية لغوية علينا هدمها لإستحالة تطابقها مع موضوعها إذ هي تؤسس قواعد كثيرا ما تتجاوزها لتتعذر بالشذوذ اللغوي و السماعي و القياسي.

و عبارة الكاتب الأخيرة تؤكد أن قراءة النص القرءاني الذي يسميه خطأ الإسلام هي قراءة بشرية مرحلية تاريخية و كان يكفيه هذه العبارة ليعيد هو قراءة القرءان بنفسه بدل البناء على ما قاله الأسلاف.

ها نحن الأن سندخل موضوع التذكير و التأنيث و هو أحد معالم البناء الفكري في مجتمعاتنا في الفصل بين الجنسين و عزل الأنثى عزلا كاملا عن الحياة السياسية و الإجتماعية و لولا حملات الإستعمار لبقت الأنثى في مجتمعاتنا مقبورة و للأسف اتهم بعض "الجداثيين" القرءان بحمل هذا القبر في جرثومته و نصّه و أنّه المسؤول الأول عن حالة الأنثى و تباعا عن تخلف المجتمع بأسره. و سندخل النص القرءاني لا للتبرير و إنّما في تتبع جزئياته إلى أقصى حد دون محاولة لإنشاء قواعد إصطلاحية أو توفيقية.

لا شك أنّ الدخول إلى إشكالية التذكير و التأنيث في أي لغة بشرية ستكشف رؤية هذا المجتمع إلى نفسه و إلى تقسيم السلطة فيه و إلى نظرته الجمالية للكون و فحوى تفاعله معها. و في دراستنا لظاهرة التأنيث و التذكير في اللغة الجزيرية سنرى خطورة الكهنوت اللغوي على بنية عقولنا و أرى أنّ الكهنوت اللغوي في أمتنا أقوى و أعتى و أطغى من كهنوت أهل الحديث، و عدم ظهور خطورة هذا الكهنوت عائدة إلى ملابسات تأسيسه، فقد تمّ نشوء هذا الكهنوت بصمت في صراعات سلمية بين مدرسة الكوفة و البصرة إذ كان النقاش حول القواعد و البنية اللفظية قوّيا و حرّا بشكل كبير بين بداية القرن الثاني و نهاية القرن الرابع الهجري و لم يدّع اللغويون في البصرة أو الكوفة قط أنّهم يملكون حقّا مطلقا و حاولوا الإرتكاز على ما أسموه بالشعر الجاهلي و لغة الأعراب و البادية لتفسير ما اعتبروه شذوذا في كثير من ءايات القرءان. و شخصيا أتعجب من كم الحرية الكبير في حوارات الخليل و سيبويه و إنغلاقها بعد مرحلة العصر العباسي الأوّل إذ تحوّل الحوار إلى قواعد اعتُبرت هي القرءان نفسه و انتهى الأمر إلى غلق الحديث حولها نهائيا. هذه القواعد اللغوية أصبحت بحكم تكرارها كتابة و نطقا سننا جارية في حياتنا كسريان السنن الكونية الموضوعية و من هذه القواعد التي وضعها هذا الكهنوت قواعد التذكير و التأنيث. و يظهر أنّ هذه القواعد محكمة البناء و لكنّها في بناءها الداخلي متهافتة كما سنرى في بقية البحث و أول ضربة قاضية توّجه لهذه القواعد هو إفتقادها للعَلْمانية

Universality

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير