و ليسمح لي القارئ أن أستعمل لفظ العلمانية في سياق معرفي لا علاقة له بالإطار الأيديولوجي و إن كان في نظري يحمل نفس المفهوم. فالعلمانية معناها في إستعمالي لها في البحث إحاطتها بكل جزئيات القاعدة أي بالتعبير البسيط لا يمكن لقاعدة أن تكون علمانية إن لم تستطع إحتواء كل الأمثلة التي تدّعي سريان القاعدة عليها. فلا يُمكننا أن نقول أنّ الفاعل إن كان جمعا مذكرا سالما يُرفع بالواو و النون و نجد فاعلا جمعا مذكرا سالما منصوبا بالياء و النون. فإمّا أن تعريفنا في تقسيمنا للجملة خاطئ من حيث إعتبار وجود فعل و فاعل و مفعول و ... و أو أنّ الخطأ في قواعد الإعراب أو أنّ الخطأ في كل هذا. و لا يمكن إعتبار قاعدة في القرءان إن لم تكن علمانية و هذا هو الفرق بين البنية و القواعد تحديدا.
إذ كما سنرى فاللغويون يؤسسون قواعد مجزأة لا ترتقي إلى مستوى العلمانية و يحاولون التقليل من حجم هذه الكارثة لعجز القاعدة عن إحتواء كل الأمثلة بقولهم بالشاذ في بناء اللغة أو متذرعا بتنوّع اللهجات في نفس اللغة. وهذه طريقة تفتقد العلمية في دراسة القرءان. فبنية القرءان كما أوضحناه في بحوث المنهج بنيوية كاملة علمانية لا شذوذ فيها و لا إتباع للسان بشر و لا لنثرهم و أنّ بنيته محكمة لا شذوذ للفظ و لا إنفلات كما هو الحال في الكتاب (الكون). فنحن نسعى إلى تأسيس قواعد عَلمانية سواء في الفيزياء أو البيولوجيا و نؤسس لنظريات تفسر جميع جزئيات الظاهرة و لا يمكننا أن نعتبر القاعدة تخص فقط بعض أجزاء الظاهرة و لا يمكن للعلماء في الحقل الكوني أن يتذرعوا بالشذوذ إذ هذا يعني حتف نظرياتهم. فمعادلات نيوتن تخص كل الظواهر الميكانيكية فهي علمانية في تركيبها و عند إكتشاف شذوذ في تفسيرها لظواهر دوران كوكب
Mercure
بدأت النظرية في التململ و بدأ البحث في محاولة إستبدالها حتّى تمّ تغييرها إلى نظرية علمانية أوسع و أرحب هي النظرية النسبية العامة لأينشتاين لتفسير كل الجزئيات و الظواهر السابقة و الجديدة التي لم تستطع نظريات نيوتن تفسيرها ووقفت عاجزة، وليس هذا القول معناه طرح نظرية نيوتن فإستعمالها لا يزال إلى اليوم لكن في حدود معروفة متعلقة بسرعة الجسم.
علينا إذن أن لا ننشأ قواعد لغوية في فهم القرءان نزعم علمانيتها و هي عاجزة عن تفسير كل الظواهر اللفظية في القرءان. فعندما نقول أنّ التاء المربوطة دليل على التأنيث علينا أن نتأكد أنّ كل لفظ في القرءان وردت فيه تاء التأنيث هو مؤنث!!!! سنرى فيما يلي من البحث تهافت هذا الزعم.
و عندما نؤسس قواعد التأنيث علينا أن نتأكد أنّ هذه القواعد تمس كل الألفاظ و لا يمكننا أن نتذرع بنظرية الشذوذ و تنوع اللهجات التي استقى منها القرءان ألفاظه، وبحث المنهج أوضح أنّ بنية القرءان داخلية لا علاقة لها بلغات البشر و لا بنثرهم فأي قاعدة تؤسس في فهم ألفاظه ينبغي أن تكون علمانية.
لنغوص الأن في بعض قواعد التأنيث و التذكير التي وضعها اللغويون منذ القرن الثاني الهجري لفهم التجنيس في القرءان و إليك بعضها:
1 ـ المذكر ما يصح أن تشير إليه بقولك "هذا" و المؤنث ما يصح أن تشير إليه بقولك "هذه"
و لكنّنا نفاجأ و نحن نقرأ بعض بلاغات القرءان:
"قال إبراهم فإنّ الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر" البقرة:258
"فلمّا رءا الشمس بازغة قال هذا ربّى هذآ أكبر، فلمّأ أفلت قال لا أحب الأفلين" الأنعام:78
ونحن هنا أمام خيارات تأتي على أحد القواعد بلا شك، فإمّا أن نقول أنّ الشمس كلفظ يصح تأنيثه و تذكيره و هذا ما قاله اللغويون مؤكدين أنّ تأنيث الشمس معنوي أو مجازي و أذكاهم قال سماعي. و هذا قول يفتقد الدليل حتّى في عبارات ما أسموه بالشعر الجاهلي.
و إمّا أن نقول أن التاء المربوطة في بازغة لا تدل على التأنيث و هذا الكلام صعب قوله في قواعد اللغويين. لنستمر في سرد القواعد.
2 ـ المؤنث اللفظي ما لحقته علامة التأنيث كالتاء المربوطة و ألف التأنيث المقصورة و ألفه الممدودة:
امرأة، ناقة، حسنى،صفراء.
يكفي لتسقط هذه القاعدةأن نقرأ هذا البلاغات التالية:
"لئلاّ يكون للناس عليكم حجّة" البقرة:150
¥