تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد أدركت أن قيمة وقتي فيما عرفته و أعرفه وسأعرفه عني وعن العالم من حولي، وأن انشغالي باحصاء السنين سيحرمني فرصة أن أعرف جديداً ..

لم أعد أريد شيئاً غير أن أعرف أكثر، كي أعي مبلغ جهلي الفادح ..

إن الذي يعرف ينأى أكثر فأكثر عن صخب السطح وضجيجه، يغور وحيداً، وقد يفزع، وقد يتوحش، وقد يألم؛ بل إنه سيألم؛ لكنه أبداً لا ولن يؤذي ..

من يعرف لا يؤذي، لإن الإيذاء هزيمة متأخرة؛ ومن يعرف لا يحب أن يخسر ولا أن يُهزم ..

جل الحياة -حينما أتأملها- عابرٌ يحّيي عابراً؛ وأنا لا أريد أن أعبر دون أن أعرف كل ما يمكنني أن أعرفه ..

ما عدت أريد غير الصمت. الصمت الذي ربضت في كنفه الخليقة دهوراً قبل أن يخلق الله آدم وحواء، الصمت الذي تسبح فيه – دون قلق- كل الأرواح التي انعتقت من قيد أجسادها، فغدت خفيفة لينة غير عابئة بأن تُرى، أو تُجرح، أو تمرض، أو تُعذَّب، أو تحترق، أو تهان. تمضي حرة موقنة بأنها لم تعد قابلة لأن تمسَّ ..

العالم الآن يتهتك أكثر فأكثر! يصبح عالماً خليعاً، وينحدر نحو رُخْصٍ بَيِّن. عالم يمكن للمرء فيه أن يعرف كثيراً عن أي حدث حوله، ومع ذلك فإنه قد يجد نفسه حائراً في نهاية المطاف ومتشظياً؛ لأن كل ما يُطرح يبدو صحيحاً ..

الموت لا يقترب لأننا نكبر، ولا يبتعد لأننا صغار. الموت موجود، ونحن لا نذهب إليه، ولا نعود منه ..

إنني أكبر، وأتورط في سحر الكتب والقراءة أكثر فأكثر. لم تعد القراءة -بالنسبة لي- متعة بل غريزة كالجوع تماماً ..

لا شيء يمنحني الأمان مثل أن أجد نفسي بين الكتب ..

لقد أدركت مبكرة أن قيمة ما نناله وما نحرم منه ليست في الأشياء نفسها، بل في الطريقة التي نتعامل بها مع تلك الأشياء، نعمة كانت أم ابتلاءً. وأذا كنا نعي دون جدل أن الابتلاء ثقيل، فإن قلة ً يعون أن النعمة -كالابتلاء- ثقيلة، وأن شكرها أثقل من الصبر على ضدها!

إنني أكبر، وأتخيل أحياناً أن حياتي -كل حياتي- مشهد قصير في فيلم طويل، تعرضه صالة عرض شبه خالية، ويشاهده إنسان وحيد مرة ثم يمضي عنه ..

ونصٌ جديد للكاتبة ,, ليلى الجهني .. أربعين في معنى أن أكبر

ـ[عصماء]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 03:54 ص]ـ

لَقَدْ أَدْرَكْتُ أَنَّ قِيمَةَ وَقْتِي فِيمَا عَرَفْتُهُ وَ أَعْرِفُهُ وَسَأَعْرِفُهُ عَنِّي وَعَنِ الْعَالَمِ مِنْ حَوْلِي، وَأَنَّ انْشِغَالِي بِإِحْصَاءِ السِّنِينِ سَيَحْرِمُنِي فُرْصَةَ أَنْ أَعْرِفَ جَدِيدًا ..

لَمْ أَعُدْ أُرِيدُ شَيْئًا غَيْرَ أَنْ أَعْرِفَ أَكْثَرَ، كَيْ أَعِيَ مَبْلَغَ جَهْلِي الْفَادِحِ ..

إِنَّ الَّذِي يَعْرِفُ يَنْأَى أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ عَنْ صَخَبِ السَّطْحِ وَضَجِيجِهِ، يَغُورُ وَحِيدًا، وَقَدْ يَفْزَعُ، وَقَدْ يَتَوَحَّشُ، وَقَدْ يَأْلَمُ؛ بَلْ إِنَّهُ سَيَأْلَمُ؛ لَكِنَّهُ أَبَدًا لَا وَلَنْ يُؤْذِيَ ..

مَنْ يَعْرِفْ لا يُؤْذِ، لِأَنَّ الْإِيذَاءَ هَزِيمَةٌ مُتَأَخِّرَةٌ؛ وَمَنْ يَعْرِفْ لَا يُحِبَّ أَنْ يَخْسَرَ وَلَا أَنْ يُهْزَمَ ..

جُلُّ الْحَيَاةِ -حِينَمَا أَتَأَمَّلُهَا- عَابِرٌ يَحْيَا عَابِرًا؛ وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَعْبُرَ دُونَ أَنْ أَعْرِفَ كُلَّ مَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَعْرِفَهُ ..

مَا عُدْتُ أُرِيدُ غَيْرَ الصَّمْتِ. الصَّمْتُ الَّذِي رَبَضَتْ فِي كَنَفِهِ الْخَلِيقَةُ دُهُورًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ آدَمَ وَحَوَّاءَ، الصَّمْتُ الَّذِي تَسْبَحُ فِيهِ – دُونَ قَلَقٍ- كُلُّ الْأَرْوَاحِ الَّتِي انْعَتَقَتْ مِنْ قَيْدِ أَجْسَادِهَا، فَغَدَتْ خَفِيفَةً لَيِّنَةً غَيْرَ عَابِئَةٍ بِأَنْ تُرَى، أَوْ تُجْرَحَ، أَوْ تَمْرَضَ، أَوْ تُعَذَّبَ، أَوْ تَحْتَرِقَ، أَوْ تُهَانَ. تَمْضِي حُرَّةً مُوقِنَةً بِأَنَّهَا لَمْ تَعُدْ قَابِلَةً لِأَنْ تُمَسَّ ..

العَالَمُ الْآنَ يَتَهَتَّكُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ! يُصْبِحُ عَالَماً خَلِيعاً، وَيَنْحَدِرُ نَحْوَ رُخْصٍ بَيِّنٍ. عَالَمًا يُمْكِنُ لِلْمَرْءِ فِيهِ أَنْ يَعْرِفَ كَثِيراً عَنْ أَيِّ حَدَثٍ حَوْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ يَجِدُ نَفْسَهُ حَائِراً فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ وَمُتَشَظِّياً؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يُطْرَحُ يَبْدُو صَحِيحاً ..

الْمَوْتُ لَا يَقْتَرِبُ لِأَنَّنَا نَكْبُرُ، وَلَا يَبْتَعِدُ لِأَنَّنَا صِغَارٌ. اَلْمَوْتُ مَوْجُودٌ، وَنَحْنُ لَا نَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَلَا نَعُودُ مِنْهُ ..

إِنَّنِي أَكْبُرُ، وَأَتَوَرَّطُ فِي سِحْرِ الْكُتُبِ وَالْقِرَاءَة أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ. لَمْ تَعُدِ الْقِرَاءَةُ -بِالنِّسْبَةِ لِي- مُتْعَةً بَلْ غَرِيزَةً كَالْجُوعِ تَمَاماً ..

لَا شَيْءَ يَمْنَحُنِي الْأَمَانَ مِثْلَ أَنْ أَجِدَ نَفْسِي بَيْنَ الْكُتُبِ ..

لَقَدْ أَدْرَكْتُ مُبَكِّرَةً أَنَّ قِيمَةَ مَا نَنَالُهُ وَمَا نُحْرَمُ مِنْهُ لَيْسَتْ فِي الْأَشْيَاءِ نَفْسِهَا، بَلْ فِي الطَّرِيقَةِ الَّتِي نَتَعَامَلُ بِهَا مَعَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، نِعْمَةً كَانَتْ أَمِ ابْتِلَاءً. وَإِذَا كُنَّا نَعِي دُونَ جَدَلٍ أَنَّ الابْتِلَاءَ ثَقِيلٌ، فَإِنَّ قِلَّة ً يَعُونَ أَنَّ النِّعْمَةَ -كَالابْتِلَاءِ- ثَقِيلَةٌ، وَأَنَّ شُكْرَهَا أَثْقَلُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى ضِدِّهَا!

إِنَّنِي أَكْبُرُ، وَأَتَخَيَّلُ أَحْيَاناً أَنَّ حَيَاتِي -كُلَّ حَيَاتِي- مَشْهَدٌ قَصِيرٌ فِي فِيلْمٍ طَوِيلٍ، تَعْرِضُهُ صَالَةُ عَرْضٍ شِبْهُ خَالِيَةٍ، وَيُشَاهِدُهُ إِنْسَانٌ وَحِيدٌ مَرَّةً ثُمَّ يَمْضِي عَنْهُ ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير