الثاني: علاقة أساليب الإنشاء بغرض الاعتذار عند النابغة.
الثالث: علاقة كل أسلوب من أساليب الإنشاء بالمعاني الجزئية الواردة في الاعتذار في الشعر العربي , وعند الشاعر خاصة.
الآخر: أن تتجه الدراسة إلى المعاني؛ فيقوم الباحث باختيار غرض أو معنى من المعاني العامة التي يطرقها الشعراء؛في شعر شاعر بعينه أو جَمْعٍ من الشعراء , على سبيل المثال: مدح الخلفاء عند المتنبي, أو مدح الملوك عند الشعراء الجاهليين ,أو مدح الملوك عند النابغة ,ورصد الأساليب الشائعة فيه ـ كما ذكرتَ ـ وتتبع بناء المعنى العام والمعاني الجزئية الداخلة فيه في تلك الأساليب الشائعة عنده, وأسلوب الشاعر في استعمالها لبناء تلك المعاني.
****
وكلاهما مهم ,ولكل منهما فائدته وجدواه في الدرس البلاغي؛ غير أن من الأهمية بمكانٍ أن نعلم أن اختيار أحد السبيلين مرهون باختلاف الشعراء والأغراض والأساليب أو الأسلوب موضعِ الدراسة, يعرف ذلك الباحث الفطن؛ بدخوله في شعر الشاعر , وتعمقه في دراسة الأساليب العربية وبلاغتها.
وقد كنت أسمع دائما ممن درسونا أن عليكم أيها الطلاب بالنظر في الرسائل العلمية المسجلة فمن درس الاغتراب في الشعر الأموي، فليدرسه في الشعر العباسي وهكذا والسبب أن الوقت ليس في صالحكم.
فما رأيكم؟
أعلم أهمية الوقت في هذه المرحلة ,ولكنّي أرى أن هذه الطريقة في استنبات موضوعات الرسائل طريقة تقتل الإبداع في طالب العلم , وتجعله مقلّدًا ,فضلًا عن أن الموضوع الذي يختاره الطالب بما ينقدح من فكرته ,وحسّه وفطنته ـ أرجى أن يكون أكثر جِدةً وأصالة ,و أن يكون عمله فيه أكثر إتقانًا , وقد سبق لي كلامٌ في هذه النافذة عن أهمية أن يكون الاختيار من بنات أفكار الطالب.
ولا أرى شيئًا أضرّ على الدراسات العليا وطلابها من سلوك هذه السبيل؛واحتذاء كلّ دليل, وأن يكون عمل الطالب في اختيار موضوعه من قبيل وضع الحافر على الحافر؛ يقلد فيه الأولَ الآخر! وإنما جُعلتْ أدلة الرسائل العلمية وقواعد البيانات ـ ليُرجع إليها بعد اختيار الموضوع , والسير في الخطوات الأولى قبل تسجيله؛ حتى يطمئن الباحث إلى جِدّة فكرته من جهة ,ويعرف الدراسات المتصلة بها من جهة أخرى, ثمّ إنّي لا أنصح بالاطلاع عليها إلا بعد أن يُمضي الباحث مع موضوعه الذي اختاره وقتًا , يبذل فيه جُهدًا يحميه من الوقوع في أسر الدراسات السابقة , أو التأثّر بها تأثّرًا يُفقده شخصيته العلمية, ويجعله نسخة مكرورة منها!
على أن ذلك قد يختلف باختلاف الطلاب وقدراتهم؛ فأقول: إن تعجيل الاطلاع على مثل تلك القوائم لنبهاء الطلاب مضرٌ بنباهتهم, وقد يكون ذلك مفيدًا أو ضروريًّا لمن هم دونهم! على ألا يكون سبيل الطالب في ذلك سبيل المقلّد.
ومع هذا؛فإن بعض الطلاب النبهاء قد يفيدون من تلك العنوانات الواردة في تلك القوائم في التفكير في الموضوعات التي لم يطرقها الباحثون قبلهم أو التقاط فكرة بعيدة من أحد العناوين؛ فإذا كان ذلك كذلك؛فجيّد.
وأسئلتك أخي أبا الطيب تدل على نضجٍ يُثلج الصدر.
فامض فيما ترى , بارك الله فيك.
ـ[أبو الطيب الشمالي]ــــــــ[28 - 09 - 2007, 03:40 م]ـ
قد أثلجت صدري يا د. شوارد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حبك للعلم، وحرصك على أهله، وخير مثال تواجدك في هذه الشبكة تفيد الطلاب وترفع عنهم إصرهم والأغلال التي وضعت في أعناقهم.
وللحقيقة إني أحب ما يكتب في داخل كل كتاب ولا يهمني ما يكتب في عناون الكتاب كثيرا، وما أقول هذا إلا لأنني امرؤ لا تجذبني الإعلانات التجارية كثيرا، بل أصبر كثيرا عل القراءة - والحمد لله - لأظفر بما ينمي حياتي.
وقد اطلعت يوما ما على كتاب عنونه صاحبه بجماليات فن كذا في البلاغة، فاشتريته لا لأجل عنوانه وإنما لأعرف هل كل ما يكون عنوانه مبهرا يصبح محتواه مبهرا، فكانت النتيجة سلبية، وإذا به يورد كلام الخطيب القزويني في الإيضاح بطريقة أخرى بلا تبيين لمعنى الجمال فيها.
ما سبق شيء، وفي يوم من الأيام دخلت إحدى المكتبات فرأيت كتبا كثيرة لأحد المؤلفين فأخذت منها كتيبا أعجبني عنوانه فقلت: لعل في داخله كلاما كثيرا جميلا، والحق أحق أن يتبع أني قد وقعت على مصيبة في ذلك الكتاب فلم أبينها لمؤلفه خوفا منه، ولم أرتح لها لأنها غير دقيقة، وتحتاج إلى مناقشة، وقد جمعت بعض الأدلة على بطلان القول الذي قاله، ولعل الله ييسر نشرها إن ذهب الذي أجده في قلبي عليه، فإن لم يذهب ما أجده في قلبي عليه فلن أنشر شيئا يكون مصدر كتابته الانتقام من شخص ما.
وأعوذ بالله من الخذلان.
لكن لا بد أن تنبه يا دكتور على أهمية المساعد للطالب؛ لأن الطالب في بداية الطريق يجذبه كل شيء، والتعمق في البحث يخنق الأنفاس، ويجعل القاع مظلما جدا، فيحتار الطالب وربما يهلك. وإن كان معه المساعد مضيئا، متقيا لله تعالى، محتسبا عمله في التعليم أعاد الحياة إلى وجه التلميذ.
وهذا أنتظر رأيك فيه.
أشكر لك إطراءك، وما أنا إلا قشة صغيرة أرجو أن تكون قاصمة ظهر بعير التعسير على طلبة الدراسات العليا.
اللهم يسر لي ما فيه تيسير على عبادك، واجعلني ممن يحتسب عمله في طاعتك.
أبو الطيب الشمالي
¥