تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[28 - 01 - 2008, 01:09 م]ـ

واضع اللغة

من كتاب التقرير والتحبير

المؤلف: ابن أمير الحاج (879هـ)

المقام الثالث في بيان الواضع , وفيه مذاهب. أحدها: وهو مختار الإمام فخر الدين والآمدي وابن الحاجب ونسبه السبكي إلى الجمهور أنه الله تعالى , وأنه وقف العباد عليها بوحيه إلى بعض الأنبياء أو بخلقه الألفاظ الموضوعة في جسم ثم إسماعه إياها لواحد أو جماعة إسماع قاصد للدلالة على المعاني أو بخلقه تعالى العلم الضروري لهم بها , ومن ثمة يعرف هذا بالمذهب التوقيفي ولما كان في هذا الإطلاق بعض تفصيل أشار المصنف إليه بقوله (والواضع للأجناس) أسماء , وأعلاما للأعيان والمعاني مقترنة بزمان وغير مقترنة به (أولا الله سبحانه) هذا (قول الأشعري) , وقال للأجناس ; لأنه لا شك في أن واضع أسماء الله تعالى المتلقاة من السمع والأعلام من أسماء الملائكة وبعض الأعلام من أسماء الأنبياء هو الله تعالى.

وقال أولا ; لأنه سيشير إلى أنه يجوز أن يتوارد على بعضها وضعان لله أولا وللعباد ثانيا كما سنوضحه قريبا (ولا شك في أوضاع أخر للخلق علمية شخصية) حادثة بإحداثهم إياها , ومواضعتهم عليها لما يألفون على اختلاف أنواعه وكيف لا , والوجدان شاهد بذلك بل كما قال الشيخ أبو بكر الرازي: إن هذه الأسماء لا تتعلق باللغة ولا بمواضعات أهلها واصطلاحهم ; لأن لكل أحد أن يبتدئ فيسمي نفسه , وفرسه وغلامه بما شاء منها غير محظور عن ذلك , وقيد بالشخصية لانتفاء القطع بهذا الحكم للعلمية الجنسية (وغيرها) أي وغير هذه من أسماء الأجناس , وأعلامها (جائز) أن يتوارد عليه في الجملة وضعان سابق للحق ولا حق للخلق بأن يضع الباري تعالى اسما منها لمعنى ثم يضعه الخلق لآخر حتى يكون ذلك < 70 > الاسم من قبيل الأضداد إن كان المعنيان متضادين أو يضعوا لذلك المعنى بعينه اسما آخر أيضا (فيقع الترادف) بين ذينك الاسمين إذ لا مانع من هذا التجويز فيتحرر أن محل النزاع أسماء الأجناس , وأعلامها في أول الأمر.

وإنما ذهب من ذهب إلى هذا (لقوله تعالى {, وعلم آدم الأسماء كلها}) فإن تعليمه تعالى آدم عليه السلام جميعها على سبيل الإحاطة بها ظاهر في إلقائها عليه مبينا له معانيها إما بخلق علم ضروري بها فيه أو إلقاء في روعه , وأيا ما كان فهو غير مفتقر إلى سابقة اصطلاح ليتسلسل بل يفتقر إلى سابقة وضع , والأصل ينفي أن يكون ذلك الوضع ممن كان قبل آدم , وممن عسى أن يكون معه في الزمان من المخلوقات فيكون من الله تعالى , وهو المطلوب ثانيها ما أشار إليه بقوله (وأصحاب أبي هاشم) المعتزلي المشهور يعبر عنهم بالبهشمية يقولون الواضع (البشر آدم وغيره) بأن انبعثت داعيتهم إلى وضع هذه الألفاظ بإزاء معانيها ثم عرف الباقون بتعريف الواضع أو بتكرار تلك الألفاظ مرة بعد أخرى مع قرينة الإشارة إليها أو غيرها كما في تعليم الأطفال ويسمى هذا بالمذهب الاصطلاحي , وإنما ذهب من ذهب إليه (لقوله تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}) أي بلغة قومه الذي هو منهم وبعث فيهم , وإطلاق اللسان على اللغة مجاز شائع من تسمية الشيء باسم سببه العادي , وهو مراد هنا بالإجماع.

ووجه الاستدلال بهذا النص أنه (أفاد) هذا النص (نسبتها) أي اللغة (إليهم) سابقة على الإرسال إليهم (وهي) أي ونسبتها إليهم كذلك (بالوضع) أي يتعين ظاهرا أن تكون بوضعهم ; لأنها النسبة الكاملة , والأصل في الإطلاق الحمل على الكامل (وهو) أي , وهذا الوجه (تام على المطلوب) أي على إثبات أن الواضع البشر (وأما تقريره) أي الاستدلال بهذا النص (دورا) أي من جهة أنه يلزم الدور الممنوع على تقدير أن يكون الواضع الله كما ذكره ابن الحاجب , وقرره القاضي عضد الدين (كذا دل) هذا النص (على سبق اللغات الإرسال) إلى الناس فإنه ظاهر في إفادته أن يكون أولا للقوم لسان أي لغة اصطلاحية لهم فيبعث الرسول بتلك اللغة إليهم (ولو كان) أي حصول اللغات لهم (بالتوقيف) من الله تعالى (ولا يتصور) التوقيف (إلا بالإرسال) للرسل إليهم (سبق الإرسال للغات فيدور) لتقدم كل من الإرسال واللغات على الآخر وحيث كان الدور باطلا كان ملزومه , وهو كون الواضع هو الله كذلك ; لأن ملزوم الباطل باطل (فغلط لظهور أن كون التوقيف ليس إلا بالإرسال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير