تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويردها إلى مواضعها، وهذا شيء عام في جميع بلاد الهند، وسبب منع المنبوذين من دخول المدن نهارا هو نجاسة أجسامهم التي بلغت إلى حد أن ظل المنبوذ لو وقع على طعام لنجسه، وهذا الأمر ليس مفروضا على المنبوذين من قبل الطبقات العليا فقط، بل المنبوذون أنفسهم يعتقدون أنه أمر مبرم حكمت به الآلهة عليهم، للذنوب التي ارتكبوها في التجسدات السالفة ولا مرد لحكمها، وقد حاول غاندي أن يغير هذه العقيدة ويطهر المنبوذين وزعم أنه نزل عليه الوحي يأمره بذلك، وقرر القول في مقالات نشرها في الصحيفة التي كان يصدرها واسمها (هرجان) وقال فيها: فإن طلبتم مني دليلا على أن الله أوحى إلي بذلك، أجيبكم ليس عندي دليل ولكني لا أشك في ذلك أبدا، ومع أن غاندي كان من الطبقة المقدسة وهي البراهمة، وكان وطنيا مخلصا متعبدا زاهدا في الدنيا، قضى جل حياته في سجون الاستعمار لم يقبل منه الهنادك هذه الدعوى، لأنها تفسد عليهم دينهم وتأتي بنيانه من القواعد وتجعل عاليه سافله، وحاول الدكتور امبدكار وأصله من المنبوذين وقد كفر بعقيدتهم وتعلم حتى حصل على شهادة الدكتوراه، حاول أن يقنعهم ببطلان عقيدة التنجس ويفهمهم أنهم بشر كسائر البشر فلم يفلح، ولا يزال الدعاة من المسلمين والنصارى يدعونهم إلى تغيير عقيدتهم فيستجيب لهم من قدر له منهم أن يخرج من ذلك الشقاء، إلا أن دعوة المسلمين أكثر نجاحا، لأن المنبوذ إذا أسلم يمتزج مع المسلمين في الحين ويستطيع أن يخالط جميع المسلمين في مساجدهم ومدارسهم ومجالسهم لا يترفع عليه أحد منهم وإن كان ملكا أو أميرا، أما النصارى فقد يستقذر بعض الأروبيين مجالسة المنبوذين والصلاة معهم في كنيسة واحدة فيأمرونهم ببناء كنائس خاصة بهم.

ومما حدث من قبيل دعوة المسلمين المنبوذين إلى الإسلام أن أحد علماء المسلمين عكف على دعوة جماعة من المنبوذين وأقام عندهم زمانا طويلا يشرح لهم فضل الإسلام وبطلان ما هم عليه حتى هداهم الله جميعا فأسلموا واحتفلوا بيوم إسلامهم فخرجوا من أكواخهم رجالا ونساء وصبيانا، وقد حمل كل واحد منهم قلة وانطلقوا إلى النهر وهم يكبرون الله أكبر الله أكبر، حتى ملئوا القلل وحملوها على أكتافهم ورجعوا إلى بيوتهم فرحين مستبشرين، يحمدون الله الذي أزال عنهم تلك اللعنة وطهرهم وهداهم إلى الإسلام.

وقد جرتهم عقيدة التناسخ إلى عقيدة أخرى تضاهيها في الفساد والشر وهي تحريم ذبح الحيوان وأكل لحمه مخافة أن يكون ذلك الحيوان قد حلت فيه أحد أجدادهم، فلا يجوز عندهم قتل أي حيوان وإن كان مؤذيا كالقردة مثلا، ولذلك ترى القردة تسير في مدن الهند أسرابا وتتسلق جدران البيوت وتنزل إلى السطوح وتخيف النساء والصبيان، وتفسد كل ما وصلت إليها أيديها من طعام وثياب وغير ذلك، وقد اتفق أني كنت في الهند ساكنا في مدينة لكناو طبعت خمسمائة غلاف بعنواني، وكانت موضوعة في غرفة فجاءت القردة وفتحت نافذة الغرفة فدخلت وأخذ كل واحد منها قبضة يده من الأغلفة وخرجوا بها وألقوها في الهواء، فتشتت في كل مكان من المحلة التي كنت أسكنها، فجمع أهل المحلة ما أمكن جمعه منها وجاءوني به، ومن أذاها للناس أنها تجتمع بالمآت عند قبة صنم لتنال من صدقات الزائرين من عباده، ولما كان القراء الكرام لا يعرفون الأصنام لأنهم لم يشاهدوها أرى من المستحسن أن أصف لهم هذا الصنم، فهو تمثال رجل واقف على قدميه عليه ثيابه وعمامته وله لحية وافرة سوداء ووجهه أبيض مشرب بحمرة يظن الرائي أنه حي، وقد جلس عنده ناسك وهو عريان أسود الجسم نحيله جدا، حتى كأنه هيكل عظمي، فيجيء الزائر ويسجد لذلك الصنم سجدة واحدة ثم يقوم ويقدم النذر أو الصدقة لذلك الناسك وينصرف فيتصدق على القردة بما تيسر له من الطعام، وهذه القردة تقطع الطريق على المارة فمتى رأت شخصا يحمل طعاما، والعادة جارية بأن الموظفين يبعث إليهم الطعام من بيوتهم وقت الظهر، متى رأت القردة شخصا يحمل طعاما وليس عنده ما يدافع به عن نفسه هجمت عليه وخمشته بأظفارها وانتزعت منه ذلك الطعام، ولا يستطيع المسلمون أن يمسوا القردة بسوء خوفا من نقمة الوثنيين الذين يدافعون عن كل حيوان ويمنحونه حمايتهم ورعايتهم مخافة أن يكون أحد أجدادهم قد تقمص جسمه، ولذلك لا يستطيع أحد أن يظهر لحم الحيوان، لأن الهنادك لا يستطيعون رؤيته، ومن أجل ذلك صارت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير