ج: أجاب الحافظ ابن حجر على هذا بأن الأئمة إنما يطلقون ذلك على من لا يحتمل تفرده.
4 - هل يمكن أن تلخص لنا فضيلتكم القول في منهج الإمام البخاري في مسألة ترتيب الأحاديث في الباب الواحد والفرق بين ما صدر به الباب وما بعد ذلك؟؟.
ج: الإمام البخاري ليس له منهجاً مطرداً في هذا، وله دقائق عظيمة في هذا الباب لو أردنا أن نبينها لكتبنا في ذلك مجلدات.
- 5روى الإمام البخاري رحمه الله حديثاً ورواه غيره عن ثقة بزيادة .. فهل إخراج البخاري رحمه الله للرواية دون الزيادة قرينة على ضعف الزيادة عنده؟؟
- ج: لا، وليس ذلك على إطلاقه؛ ولأن الإمام البخاري أحياناً يترك الرواية لمجرد الاختلاف بها كما يبين مثل ذلك ابن رجب في شرحه النفيس فتح الباري.
أما عن سؤال الأخ أحمد حسام الدين عبد الرحمن أحمد فأقول: أشكرك على هذا الاهتمام في محاولة إصلاح الآخرين، وأسأل الله أن ينفع على يديك وأن يزيدك من فضله، وأقول لهؤلاء: احذر أخي المسلم من الغيبة، قال النووي في رياض الصالحين باب تحريم الغيبة: ((ينبغي لكل مكلف أنْ يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه؛ لأنَّه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء)).
والغيبة خصلة ذميمة لا تصدر إلا عن نفس دنيئة، وهي كما عرّفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((ذِكركَ أخاك بما
يكرهُ))، وهي محرمة بل هي كبيرة من الكبائر وقد ذمها الله سبحانه وتعالى بالقرآن العظيم فقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ))، ولا تقتصر على الكلام باللسان، وإنما كل حركة أو إشارة أو إيماءة أو تمثيل أو كتابة في الصحف أو على
الإنترنت، أو أي شيءٍ يفهم منه تنقص الطرف الآخر؛ فكل ذلك حرام داخل في معنى الغيبة، والإثم يزداد بحسب الملأ وكثرتهم الذين يذكر فيهم المغتاب.
واعلم أخي المسلم: أنَّ الغيبة خسارة كبيرة في حسنات العبد؛ فالمغتاب يخسر حسناته ويعطيها رغماً عنه إلى من يغتابه، وهي في نفس الوقت ربح للطرف الآخر؛ حيث يحصل على حسنات تثقل كفته جاءته من حيث لا يدري؛ لذا قال عبد الله بن المبارك - وهو أحد أمراء المؤمنين في الحديث -: ((لو كنت مغتاباً لاغتبت أمي فإنها أحق بحسناتي)).
تأمل أخي المسلم في قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فيما رواه عبد الرحمان بن أبي بكرة، عن أبيه: أنه ذكر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره، وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه، قال: ((أي يوم هذا؟)) فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: ((أليس يوم النحر؟)) قلنا: بلى، قال: ((فأيُّ شهر هذا؟)) فسكتنا حتى ظننا أنَّه سيسميه بغير اسمه فقال: ((أليس بذي الحجة؟)) قلنا: بلى، قال: ((فإنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب فإنَّ الشاهد عسى أنْ يبلغ مَن هو أوعى له منه)).
والذي يتأمل هذا الحديث يعلم حرمة الغيبة، وأنَّها كحرمة يوم النحر في شهر ذي الحجة في الحرم المكي.
ولنتدبر جميعاً قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حينما قال: ((لما عُرِجَ بي، مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم)) فالمسلم الذي يحرص على نفسه يتأمل في هذا الحديث ليعلم أنَّ المغتابين يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفار من نحاس، وهي أظفار فاقت أظفار الوحوش الضارية ليزدادوا عذاباً جزاءً وفاقاً على أفعالهم القبيحة، وأعمالهم السيئة.
¥