قال شيخ الإسلام رحمه الله: أما التوحيد الذي ذكره الله في كتابه، وأنزل به كتبه وبعث به رسله، واتفق عليه المسلمون من كلِّ ملَّةٍ كما قال الأئمة، شهادة أن لا إله إلاّ الله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما بيَّن ذلك بقوله {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ} [البقرة /163] فأخبر أن الإله إله واحد، لا يجوز أن يُتخذ إله غيره، فلا يُعبد إلا إيَّاه، كما قال في السورة الأخرى {وَقَالَ الله لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل/51]، وقال {لَا تَجْعَلْ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} - إلى قوله - {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء/22 - 39] ... والشرك الذي ذكره الله في كتابه إنما هو عبادة غيره من المخلوقات، كعبادة الملائكة أو الكواكب أو الشمس أو القمر أو الأنبياء أو تماثيلهم، أو قبورهم، أو غيرهم من الآدميين ونحو ذلك مما هو كثير في هؤلاء الجهمية ونحوهم ممن يزعم أنَّه محقٌّ في التوحيد، وهو مِن أعظمِ النَّاس إشراكاً. أ. ه**"التسعينية" (ص208).
فائدة (2)
قال الشيخ عبد الرحمن المحمود حفظه الله: وفي عصرنا الحاضر تأثَّر بهذا المنهج مَن تربى على كتب الأشاعرة والماتريدية، وما شابهها من كتب أهل الكلام، فتجدُ هؤلاء يؤلِّفون كتباً كثيرةً في العقيدة، ولكن جل اهتمامهم منصبٌّ على تقرير توحيد الربوبية، فإذا كتبوا عن الطب وأسرار الإنسان، أو عن الكون وآفاقه، أو عن الجبال، والبحار، أو النبات، أو الحيوانات أو غيرها، وما في دقة صنعها من دلائل قدرة الله تعالى يبرزون هذه الجوانب ليصلوا في النهاية إلى دلالتها على وجود الله، ووجوب الإيمان به، والردِّ على الملاحدة الذين ينكرون وجود الله أو يقولون بالدهر أو الطبع أو يؤلِّهون العلم. ولا شك أنَّ هذه جهود طيبة ومفيدة لفئات كثيرةٍ تأثَّرتْ بإلحاد الغرب أو الشرق، ولكن الخطأ فيها يكمن في ناحيتين:
الغلوُّ في إخضاع نصوص الوحي - من الكتاب والسنَّةِ - لتوافق النظريات العلمية الحديثة، وهذا الغلوُّ فضلاً عن أنَّه ينمُّ - في الغالب - عن روح انهزامية، إلا أنَّه أيضاً قد يجرُّ إلى تحريفٍ أو تأويلٍ لبعضِ الآيات أو الأحاديث، وإغفالٍ لما قاله الصحابة وجمهور السلف في تفسير هذه النصوص.
إغفالها للجانب الأهمِّ في التوحيد، وهو توحيد الألوهيَّة، لأنها تنتهي عند حدِّ إثباتِ وجود الله وعلمه وقدرته فقط، ولا تشرح بشكلٍ مفصَّلٍ ومركَّزٍ أنَّ على العبد إذا أقرَّ بربوبيَّة الله ووحدانيَّته أنْ يفرده بالعبادة والطاعة، وأنْ يخلص في توحيده لله بأنْ يشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً رسولُ الله، وأن لا يصرِف أيَّ نوعٍ من أنواع العبادة؛ من الصلاة، والدعاء، والخوف، والخشية، والرغبة، والرهبة، والنذر، والاستغاثة، والاستعانة، والرجاء، والمحبة إلا لله تعالى، وأنْ يحذَر مِن الوقوع في أيِّ نوعٍ مِن أنواع الشرك الذي يُبطل عملَ الإنسان وتوحيده ولو كان مقرّاً بأنَّ الله هو الخالق الرازق.
والعجيب أنَّ بعض هؤلاء الذين وقعوا في هذا الخطأ - خطأ التركيز على توحيد الربوبية وإغفال توحيد الألوهيَّة - وصل بهم الأمرُ إلى اعتبار البحث في موضوع إخلاص العبادات لله، وشرح ما يضادها من أنواع الشرك من الأمور المستنكَرة؛ لأنَّها تؤدِّي إلى التفرقة بين المسلمين، وتكفيرِ بعضهم، والغلوِّ في جزئياتٍ لا ينبغي الوقوف عندها، وهكذا أصبح البحث والدعوة إلى تحقيق التوحيد، وسدِّ طرق الشرك والتحذير من وسائله حمايةً لجانب التوحيد الذي دعا إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من الأمور التي لا تُعجبُ كثيراً مِن هؤلاء إنْ لم تُثِرْ سخطَهم. والله المستعان. أ. ه**"موقف ابن تيمية من الأشاعرة" (3/ 978 - 979).
انتهى
ـ[حامد الحنبلي]ــــــــ[27 - 03 - 07, 06:21 م]ـ
أحسن الله إليكم شيخنا وبارك فيكم ونفع بكم
ـ[محمد أبو أحمد]ــــــــ[27 - 03 - 07, 07:03 م]ـ
بل الكتاب من أفضل (إن لم يكن أفضل) ما كتب في الاستدلال العقلي على وجود الله. وما يصلح لإقناع بعض الناس بيقينية وجود الله، قد لا يقنع آخرين. وهذا الكتاب يتوجه إلى من يرفض الاستدلال النقلي على وجود الله.
وقد قرأت الكتاب ثلاث مرات، في ثلاث مراحل مختلفة من عمري، وكل مرة أكتشف عمق الاستدلال الذي اصطبغ به الكتاب.
ولا يغرنكم نقد من نقده، فإنما يعيب عليه أمرا (غياب الاستدلال النقلي) يجده محررا في آخر فصل من فصول الكتاب.
وأما أنه عني بالحديث عن توحيد الربوبية دون توحيد الألوهية، فهذا مجانب لواقع الكتاب.
وأما امتداح الفلاسفة السابقين فما العيب في ذلك إن كان ذلك من باب إنصافهم.
وفي الأخير يبقى الكتاب من لدن بشر يخطئ ويصيب: فخذ منه ما صفا، ودع عنك كدره.
وجزى الله خيرا من وضعه على الإنترنت، فقد سدّ لي رغبة ملحة في العثور على نسخة إلكترونية منه.
¥