أولاً: تمخض عنها شرح قانوني لنصوص الأحكام من الكتاب والسنة, فبحكم صحبتهم لرسول الله ? ومعاصرتهم لعهد التنزيل وتمكنهم البارع في اللغة , استطاع الصحابة ? أن يقدموا للأجيال اللاحقة نموذجاً لنصوص الكتاب والسنة وفي كيفية تطبيقها على مفردات حياتهم المستجدة, فكانت تفسيراتهم تلك تعد (أوثق مرجع لتفسيرها وبيان إجمالها ووجوه تطبيقها) ().
ثانياً: نتج عنها ثروة فقهية كبيرة يستطيع الفقهاء من خلالها أن يتحركوا ضمن دائرة أوسع , لكي يواكبوا حركة الحياة, فيختار الفقيه منها ما يلائم مستجدات الحياة. وتتميز فتاوى الصحابة ? هذه – لاسيما التي صدرت أبان الخلافة الراشدة- بكونها تستند إلى قاعدة جماهيرية كبيرة من الصحابة ?.لأنهم كثيراً ما كانوا يجتمعون لتقرير حكم شرعي في مسألة ما. مما يعطي هذا الحكم الصادر قوة كبيرة, لأنه يمثل إجماع غالبية الصحابة.
وقد كان كثير من المحدثين ينظرون إلى آراء الصحابة ? وفتاواهم على أنها جزء من السنة النبوية, فكانوا لا يتحرجون من (أن يدونوا فتاوى الصحابة ? في مختلف أبواب الأحكام مع السنة) ().
ثالثاً: والنتيجة الثالثة الناجمة عن اختلاف الصحابة ? هي (انقسام الأمة انقساماً بدأ سياسياً بشأن الخلافة والخليفة, وانقلب دينياً ذا أثر خطير في التشريع, وذلك أنه بعد أن قتل عثمان بن عفان ? وبويع بالخلافة لعلي بن أبي طالب ? ونازعه () عليها معاوية بن أبي سفيان واشتعلت الحرب بين الفريقين وانتهت إلى تحكيم الحكمين الذي نتج عنه انقسام المسلمين إلى أحزاب ثلاثة, الخوارج والشيعة وأهل السنة والجماعة , وهم جمهور الأمة) ().
وقد استفاد الفقهاء من هذه الخلافات والانقسامات فوائد عدة, ويأتي في طليعتها استنباط أحكام البغاة وقتال المرتدين والمخالفين وما إلى ذلك من أحكام.
الباب الثاني
مكانة الصحابة عند المسلمين
الفصل الأول
مكانة الصحابة عند
الشيعة الإمامية
تعريف عام بالشيعة
الشيعة لغة: الأتباع والأنصار () , واصطلاحاً: هم الذين شايعوا عليا ً? على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته, نصاً ووصيةً أما جلياً أو خفياً واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من ولده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره, أو تقيةً من عنده ().
وقد نشأ ما يمكن أن يسمى بالبذور الأولى للشيعة بعد وفاة رسول الله ? حيث رأى بعض الصحابة? أن علياً أولى بالخلافة من غيره بسبب قرابته من رسول الله ? , ومن هؤلاء جابر بن عبدالله الأنصاري وحذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري رضي الله عنهم.
غير إن هذه الفكرة كانت بسيطة للغاية (وتتلخص في انه لا نص على الخليفة, فترك الأمر لإعمال الرأي, فالأنصار كان رأيهم أنهم أولى بها, والمهاجرون كذلك وأصحاب علي () إلى أن الخلافة ميراث, ولم يرد من طريق صحيح أن علياً ذكر نصاً من آية أو حديث يفيد أن رسول الله ? عينه للخلافة) ().
ولم يستمر التشيع على هذا المنوال, فقد تطور إلى ما هو عليه الآن من القول بتعيين الإمام والقول بالرجعة وعصمة الأئمة والقول بالولاء لهم والبراءة من غيرهم وغير ذلك مما هم عليه اليوم.
ويمكن إرجاع هذا التطور المفاجئ في ظاهرة التشيع إلى سببين رئيسين:
أولهما: تعاطف الناس مع أهل البيت بسبب قرابتهم من رسول الله ? وبسبب ما لحقهم من جراء مطالبتهم بالخلافة.
وثانيهما: تظاهر كثير من الساخطين على الإسلام بالدخول فيه بعدما زالت دولهم رغبة في التشكيك فيه والكيد لأهله. يقول المقريزي: (كان الفرس في سعة من الملك وعلو اليد, وكانوا يعدون العرب أقل الأمم خطراً فلما زالت دولة الفرس على يد العرب تعاظم لديهم الأمر وتضاعفت المصيبة وراموا الكيد للإسلام, فرأوا أن الكيد له بالحيلة أنجع فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم علي ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى ().
¥