ديصان وكان ظهوره سنة ست وسبعين ومائتين () , (فنصب للمسلمين الحبائل وبغى لهم الغوائل ولبس الحق بالباطل ... وجعل لكل آية من كتاب الله تفسيراً وكل حديث عن رسول الله ? تأويلاً , وزخرف الأقوال وضرب الأمثال وجعل لآي القرآن شكلاً يوازيه, ومثلاً يضاهيه ... فجعل أصل دعوته التي دعاها, وأساس بنيته التي بناها الدعاء إلى الله والى رسوله, يحتج بكتاب الله ومعرفة مثله وممثوله والاختصاص لعلي بن أبي طالب ? بالتقديم والإمامة والطعن على جميع الصحابة ? بالسب والأذى).
فلاقت هذه الدعوة رواجاً عند غلاة الروافض والحلولية, وكانت الباطنية تتستر بستار العلم بدعوى معرفة الفلسفة وعلم النجوم لكي يسهل عليها أن تبث سمومها, ولكي تحجر على العقول من أن تنظر فيما يلقى إليها, أو يقدم لها من المعارف المضللة.
أصولها ومبادئها
الإسماعيلية في حقيقتها حركة هدامة تقوم على التحلل الكامل من جميع القيود الشرعية كما سنبين ذلك بعد قليل غير أنهم لا يعلنون عن حقيقة مبادئهم إلا لمن اطمأنوا له وأنسوا به, يقول الإمام الغزالي: (والمنقول عنهم الإباحة المطلقة ورفع الحجاب واستباحة المحظورات باستحلالها وإنكار الشرائع إلا أنهم ينكرون ذلك إذا نسب إليهم) () فهم عند الحقيقة ليسوا من الفرق الإسلامية, وإن اتخذوا حب أهل البيت وسيلة لكي يصلوا إلى أهدافهم الدنيئة.
بل إن الإمام عبدالقاهر البغدادي يرى إن الذين أسسوا هذه الفرقة الضالة كلهم تجمعهم أصول مجوسية يحنون إليها ويسعون إلى نشرها بين المسلمين, فيقول: (ذكر أصحاب التواريخ أن الذين وضعوا أساس دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم ولم يجسروا على إظهاره خوفاً من سيوف المسلمين, فوضع الأغمار منهم أسساً من قبلها منهم صار في الباطن إلى تفضيل أديان المجوس ... وذكر زعماء البانية في كتبهم أن الإله خلق النفس فالإله هو الأول والنفس هو الثاني وهما مدبرا هذا العالم وسموهما الأول والثاني وربما سموهما العقل والنفس, ثم قالوا: إنهما يدبران العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأول, وقولهم أن الأول والثاني يدبران العالم هو بعينه قول بإضافة الحوادث لصانعين أحدهما قديم والآخر محدث, إلا أن الباطنية عبرت عن الصانعين بالأول والثاني وعبر المجوس عنهما بيزدان وأهرمن) ().
بينما يرى فريق آخر من العلماء أن أصول الإسماعيلية الباطنية ترجع إلى اليهودية, ويستدلون على ذلك بروايتين:-
الأولى: تلك التي رواها محمد بن مالك () في رسالته: كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة) ومؤداها أن عبدالله بن ميمون كان يهودياً وكان من أحبار اليهود وأهل الفلسفة الذين عرفوا جميع الأديان, وكان صانعاً يخدم شيعة إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ... وكان حريصاً على هدم الشريعة المحمدية لما ركب الله في اليهود من عداوة للإسلام وأهله ... فلم يرَ وجهاً يدخل به على الناس حتى يردهم عن الإسلام ألطف من دعوته إلى أهل بيت رسول الله ?.
والرواية الثانية: هي التي رواها ابن كثير () في (المختصر في أخبار البشر) كما ذكر ذلك الباحث مكي خليل الزبيدي () وفيما يلي نصها:
(إن احد أولاد القداح وهو الحسين أقدم إلى سليمة فجرى بحضرته حديث النساء فوصفوا له امرأة رجل يهودي حداد بسلمية مات عنها زوجها فتزوجها الحسين بن محمد المذكور .. وكان للمرأة ولد من اليهودي الحداد وهو المهدي عبيدالله وعرفه أسرار الدعوة وأعطاه الأموال والعلامات فدعا له الدعاة).
ثم دعم أصحاب هذا الرأي مذهبهم بحجج وبراهين من الواقع منها المكانة المتميزة التي حظي بها اليهود أيام الدولة الفاطمية (فقد التف حول المعز لدين الله الفاطمي جماعة منهم يؤيدون ادعاءاته ويناصرونه في أعماله مثل أبي الفرج يعقوب بن كلس وزير المعز والعزيز والأخوين ابني التستري اليهودي, وصدقة الفلاحي وآخرين) ().
ثم إن كثيراً من أسس الدين اليهودي وأصوله ظهرت جلية عند هؤلاء الاسماعيليين. كالمهر المقدس وليلة إطفاء الشمع, حيث الإباحة واستحلال المحرمات, وعقيدة الموت الظاهري, والرجعة, وانتظار المخلص, فكل هذه المعتقدات كانت وما تزال لصيقة بالدين اليهودي.
¥