(فأول ما أشهد به وأشرحه وأبينه للمسلمين أن له –أي الطليحي وهو كبير القرامطة في زمان المؤلف- نواباً يسميهم الدعاة المؤذونين وآخرين يلقبهم بالمكلبين تشبيهاً لهم بكلاب الصيد لأنهم ينصبون للناس الحبائل ويكيدونهم بالغوائل وينقضون على كل عاقل ويلبسون على كل جاهل بكلمة حق يراد بها باطل. يحضونه على شعائر الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام كالذي ينثر الحب للطير ليقع في شركه فيقيم أكثر من سنة يمعنون به وينظرون صبره, ويتفحصون أمره ويخدعونه بروايات عن النبي ? محرفة وأقوال مزخرفة ويتلون عليه القرآن على غير وجهه ويحرفون الكلم عن مواضعه فإذا رأوا منه الانهماك والقبول والإعجاب بجميع ما يعملونه والانقياد بما يأمرونه قالوا له حينئذ اكشف عن السرائر ولا ترض لنفسك ولا تقنع بما قنع به العوام من الظواهر وتدبر القرآن ورموزه واعرف مثله وممثوله واعرف معاني الصلاة والطهارة وما روي عن النبي ? بالرموز والإشارة دون التصريح في ذلك بالعبارة فإن جميع ما عليه الناس أمثال مضروبة محجوبة) ().
وهكذا يستدرجون السذج من الناس إلى مهاوي الضلالة والفساد. حتى إذا رأوا منهم استجابة وقبولاً كشفوا عن وجههم وأبانوا عن نواياهم التي بيتوها تجاه الإسلام وأهله. فيسقطون الصلاة والزكاة زاعمين أن معناهما ولاية محمد ? وعلي ? ثم يسقطون الصوم لأن معناه كتمان سر الدعوة فحسب, ويسقطون سائر أنواع العبادات ويحلون الخمر والميسر زاعمين أن معناهما بغض أبي بكر وعمر إلى غير ذلك من الترهات التي لا مجال ولا فائدة من الإطالة في ذكرها. ()
وترى الإسماعيلية أن القرآن الكريم من حيث المعنى من وحي العقول الروحانية, ومن حيث العبارة هو من تأليف الرسول وليس منزلاً بلفظه ومعناه من الله تعالى, لأن العقول مجردة عن المادة واللفظ مركب من محدثات ولذلك فإن النبي ? يوحى إليه بالمعاني مجردة فيضعها أو يعبر عنها الناطق- النبي ?- باللغة التي يفهمها قومه ويتقنها هو. وترى كذلك أن تأويل الوصي أو الإمام للنص القرآني يقوم مقام ذلك النص لأنهم هم القائمون به, المعبرون عن حقائقه. لهذا قالوا: إن علياً هو القرآن الناطق في مقابل القرآن الصامت الذي يعنون به القرآن الكريم ().
ويتبين من هذا أن القرآن الكريم المنزل على رسول الله ? هو اقل شأناً عندهم من كلام الأئمة لأن القرآن في تصورهم عجز عن مواكبة أحداث الحياة مما جعله بحاجة إلى من يدفعه إلى الأمام بتأويله وتفسيره والأئمة هم الذين قاموا بهذه المهمة. (وان الأئمة أنسهم هم أعلى قدراً ومنزلة من الرسول لأنهم جاءوا بما هو أفضل وأشرف جاءوا بالحقائق بينما جاء الناطق بالقشور) ().
ومن هذا المنطلق فقد القرآن الكريم عند الإسماعيلية أهميته ككتاب هداية وإيمان, وأصبح وجوده كعدمه لظهور ما يحل محله وهو كلام الأئمة, وكذلك فقدت السنة النبوية مكانتها التشريعية. فما قيمة القرآن والسنة إذا كان المعول عندهم على آراء بشرية لا مستند لها من دين ولا عقل. وفي هذا يقول أحد دعاة الإسماعيلية المعاصرين:
(ليس هناك كتاب لإهداء الإسماعيلية لأنهم يهتدون بنبراس الإمامة العظيم الموجود في كل الوجود) ().
مكانة الصحابة ? عند الإسماعيلية
بعد أن تعرفنا بشكل موجز على أصول الإسماعيلية وعقائدها, تبين لنا أنها تمثل حلقة من حلقات التآمر الشعوبي ضد الإسلام والمسلمين وجانباً من الأحقاد التي خلفتها الأمم البائدة التي كانت تحكم أهوائها في دماء الناس وأعراضهم.
وبعد أن عرفنا في بداية بحثنا منزلة الصحابة الكرام ? عند علماء الأمة وسلفها الصالح وكيف استحق هؤلاء الصحابة الكرام كل ذلك التكريم بما أنفقوا من أموالهم وأنفسهم في سبيل الله, أقول بعد أن عرفنا كل هذا أصبح من الممكن أن نتعرف المنظار الذي تنظر به الإسماعيلية إلى الصحابة ?.
تنظر الإسماعيلية إلى الصحابة ? أنهم المتهم الأول في ضياع أملاكهم البائدة وإنهم السبيل الوحيدة إلى أعادة تلك الصروح إذا ما استطاعوا أن يشوهوا صورتهم في أعين المسلمين, لذا فإنهم لم يدخروا جهداً أو وسعاً من أجل نجاح تلك المهمة, إذ قاموا بنشر آرائهم الضالة بكل الوسائل عن طريق دعاتهم المأذونين بين العوام, وعن طريق التأليف والرسائل العديدة التي تطفح شتماً وسباباً وانتقاصاً لأصحاب رسول الله ?.
¥