وكذلك الميمونية () من الخوارج فإنهم أباحوا نكاح بنات الأولاد من الأجداد وبنات أولاد الأخوة والأخوات.
صفات الخوارج
لقد تميز الخوارج بصفات قل أن توجد في سواهم, وسنرى من خلال دراستنا لصفاتهم أنهم تميزوا بالطابع العربي المحض, فقد كانت صفاتهم عربية بخيرها وشرها, عربية في البساطة وعدم العمق, عربية في الصراحة والوضوح, عربية في الشجاعة وحب الوغى, عربية في الفردية وضعف الروح الجماعية, عربية في الوفاء, عربية في عدم تقديس الزعماء.
فمن بساطة الخوارج وسطحيتهم فهمهم لنصوص القرآن على ظاهرها ببساطة شديدة على النقيض من فرق الشيعة التي كانت تتخبط في متاهات التأويل العميق. فقد استدل نافع بن الأزرق زعيم الأزارقة من الخوارج على جواز قتل أطفال مخالفيهم بقوله تعالى: ? وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا = 26 إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا? ()
واستدلوا على كفر علي ? بقوله تعالى: ? إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ? () بحجة أن علياً حكّم الرجال في كتاب الله فيكون قد حكم غير الله في أمر المسلمين ().
ومن ملامح الخوارج الغالبة تشددهم في العبادة ومبالغتهم فيها, فقد روى ابن عباس حين ذهب إليهم رسولاً من قبل علي ? رأى منهم جباهاً قرحة لطول السجود, وأيدياً كثفنات الإبل وهم مشمرون للعبادة ().
ومما يروى أيضاً عن مبالغتهم في العبادة: ما روى عن زياد بن أبيه من أنه قتل أحد الخوارج ثم جاء بمولاه فقال له: صف لي أمره واصدق. قال المولى: أأطنب أن اختصر؟ فأجابه زياد: بل اختصر. قال المولى: ما أتيته بطعام في نهار قط ولا فرشت له فراشاً بليل قط.
ويصف أبو حمزة الشاري أصحابه خير وصف فيقول: ( ... وقد بلغني أنكم تنتقصون أصحابي! قلتم هو شباب وأحداث ,أعراب جفاة ويحكم , ما هم في الخير إلا شباباً أحداثاً؟ أما والله إني لعالم بتتابعكم فيما يضركم في معادكم ... شباب والله مكتهلون في شبابهم, غضيضة عن الشر أعينهم, ثقيلة عن الباطل أرجلهم, أنضاء عبادة وأطلاح سهر باعوا أنفساً تموت غداً بأنفس لا تموت أبداً, قد نظر الله إليهم في جوف الليل, منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن, كلما مر أحدهم بآية من ذكر الجنة بكى شوقاً إليها وإذا مر بآية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه, وقد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وأنوفهم وجباههم, وصلوا كلال الليل بكلال النهار, مصفرة ألوانهم, ناحلة أجسامهم من طول القيام وكثرة الصيام مستقلون لذلك في جنب الله, موفون بعهد الله منجزون لوعد الله, حتى إذا رأوا سهام الأعداء قد فوقت ورماحهم قد أشرعت وسيوفهم وقد انتضيت, ورعدت الكتيبة بصواعق الموت, استخفوا بوعيد الكتيبة, ولقوا شبا الأسنة, وشائك السهام, وضباب السيوف بنحورهم ووجوههم وصدروهم, فمضى الشاب منهم مقتولاً وقد اختلفت رجلاه على عنق فرسه, واختضبت محاسن وجهه بالدماء, وعفر جبينه الثرى وانحطت عليه طير السماء وتمزقته سباع الأرض فطوبى لهم وحسن مآب فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها في جوف الليل من خوف الله وكم من يد قد أبينت عن ساعدها طالما اعتمد عليها صاحبها راكعاً وساجدا, وكم من وجه رقيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد) ().
ولا شك أن جماعة بهذا الورع وبهذا الإيمان لا يتهمون في دينهم وإخلاصهم فقد كانوا مخلصين لدين الله ساعين لخير الإسلام لكنهم قد ضلوا الطريق من حيث لا يعلمون وقد وصفهم عمر بن عبدالعزيز ? أحسن وصف حين قال لهم: (إنكم أردتم الآخرة فأخطأتهم سبيلها) ().
ومما تميز به الخوارج: شجاعتهم الفائقة في الذب عن معتقداتهم وأول ما يتبادر لنا من شجاعتهم ما أشتهر من أشعار قائدهم المغوار قطري بن الفجاءة الذي كان يناجي نفسه فيقول:
فصبراً في مجال الموت صبرا فما نيل الخلود بمستطاع
سبيل الموت غاية كل حي وداعيه لأهل الأرض داعي
وما للمرء خير من حياة إذا ما عدّ من سقط المتاع ()
وقد كان لقطري بن الفجاءة هذا زوجة من أشجع النساء وأكثرهم تمسكاً بتعاليم الدين وكانت تشارك في الحروب وتحمل على صفوف الأعداء وهو ترتجز:
أحمل رأساً قد سئمت حمله
وقد مللت دهنه وغسله
ألا فتى يحمل عني ثقله ()
¥