وبين موسى ويحط عني خمسًا، حتى قال: يا محمد، هي خمس صلوات في كل يوم
وليلة وبكلٍّ عشر، فتلك خمسون صلاة، ومَنْ هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، فإن
عملها كتبت عشرًا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئًا، فإن عملها
كتبت سيئة واحدة. فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فأخبرته، فقال: ارجع إلى
ربك فاسأله التخفيف لأمتك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: لقد رجعت إلى ربي حتى لقد استحييت.
هذه الرواية إحدى روايات الحديث، وهي أجودها وأنقاها، وقد رجحها كثير
من الحفاظ على غيرها، وإن كان فيها من الاختصار في بعض المواضع، وقد
رواها مسلم بن الحجاج في صحيحه (1 - 99) حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا
حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك، وإسنادها من الأسانيد التي
نص أئمة الحديث على أنها أصح الأسانيد، وروى الإمام أحمد أيضًا عن عبد
الرازق عن عمر عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي
بالبراق ليلة أسري به ملجمًا ليركبه، فاستصعب عليه، وقال جبريل: ما يحملك
على هذا؟ والله ما ركبك أحد قط أكرم على الله - عز وجل - منه. قال: فارفضَّ
عرقًا. وروي أيضًا بنفس هذا الإسناد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة، نبقها مثل قلال هجر، ورقها مثل
آذان الفيلة، يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل،
ما هذان؟ قال: أما الباطنان في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، وهذان
أيضًا حديثان صحيحان روتهما أئمة ثقات إثبات.
أيها السادة:
ومما ورد من الأحاديث الصحيحة ما رواه الإمام أحمد، ومسلم في صحيحه من
طريق معمر بن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال:
قال: النبي صلى الله عليه وسلم: (حين أسري بي لقيت موسى عليه السلام فنعته
النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رجل مضطرب، رجل الرأس كأنه من رجال
شنوءة، قال: فلقيت عيسى، فنعته النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا ربعة أحمر
كأنما خرج من ديماس - يعني حمامًا - قال: ورأيت إبراهيم - صلوات الله عليه -
وأنا أشبه ولده به، قال: فأُتيت بإناءين في أحدهما لبن، وفي الآخرة خمر،
فقيل لي: خذ أيهما شئت. فأخذت اللبن فشربته، فقال: هديت للفطرة - أو أصبت
الفطرة - أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك.
وروى الإمام أحمد من طريق عوف الأعرابي عن زرارة بن أوفى عن ابن
عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما كان ليلة أسري بي
وأصبحت بمكة، فظعت بأمري، وعرفت أن الناس مكذبي، فقعد معتزلاً حزينًا،
قال: فمر به عدو الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، وقال له كالمستهزئ: هل
كان من شيء؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: ما هو؟ قال: إنه
أسري بي الليلة. قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. قال: ثم أصبحت بين
ظهرانينا ! قال: نعم. قال: فلم يُرد أن يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا
قومه إليه، قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: نعم. فقال: هيا معشر بني كعب بن لؤي. فانفضت إليه
المجالس، وجاءوا حتى جلسوا إليهما، قال: حدِّث قومك بما حدثتني. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: إني أسري بي الليلة. قالوا: إلى أين؟ قلت: إلى بيت
المقدس. قالوا: ثم أصبحت بين ظَهْرَانَيْنَا. قال: نعم. قال: فمن بين مصفق، ومن
بين واضع يده على رأسه متعجبًا للكذب زعم. قالوا: وهل تستطيع أن تنعت لنا
المسجد؟ وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت،
قال: فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه، حتى وضع دون دار عقال أو عقيل، فنعتُّه
وأنا أنظر إليه قبل. فقال القوم: أما النعت، فوالله لقد أصاب.
وهذا أيها السادة حديث صحيح أسنده رجال ثقات إثبات، رواه أيضًا ابن أبي
شيبة و النسائي و البزار و الضياء في المختارة وغيرهم، وجاء هذا المعنى عن
جابر بن عبد الله مختصرًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما
كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحجر، فجلا الله لي
¥