تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا أنظر إليه) رواه الإمام أحمد

والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي و الطبري في تفسيره.

وقال الحافظ الثقة محمد بن سعد في كتاب الطبقات الكبير (ج - ق 1 -

144) وأخبرنا حجين بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن

عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم: لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألوني عن أشياء

من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربًا ما كربت مثله قط، فرفعه الله إلي أنظر

إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا

موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب، جعد، كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى

ابن مريم قائم يصلي، أقرب الناس به شبهًا عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم

قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم، فلما

فرغت من الصلاة، قال لي قائل: يا محمد، هذا مالك صاحب النار فسلم عليه،

فالتفتُّ إليه فبدأني بالسلام.

وهذا أيضًا حديث ثابت، رواه في صحيحه عن زهير بن حرب عن حجين

بن المثنى شيخ ابن سعد فيه.

هذا قليل من كثير مما ورد من الأخبار الصحيحة في الإسراء والمعراج، وكلها

تدل دلالة صريحة واضحة عن أن الإسراء والمعراج كانا بشخصه الكريم صلى الله

عليه وسلم، أي بجسده وروحه، ولا يفهم منها سامعها غير ذلك، وقد بدا لبعض

المتأولين من المتقدمين والمتأخرين أن يتأولوا كل النصوص، ويفهموا منها أن

الإسراء والمعراج كانا بروحه فقط، وزعم بعضهم أن ذلك كان رؤيا في المنام، ولا

تجد لواحد من هذين الفريقين دليلاً يعتمد عليه في نقل دلالة الأخبار عن ظاهرها

وصريحها، وهو مدلولها الحقيقي في وضع اللغة، فإنما التأول نوع من المجاز الذي

لا يصار إليه في الكلام إلا بدليل أو قرينة واضحة، نعم، قد تجد حديثين عن

عائشة ومعاوية، يفهمان أن الإسراء لم يكن بجسده الشريف، وهما حديثان ليسا مما

يحتج بمثلهما أهل العلم بالحديث، وقد رواهما ابن اسحاق في السيرة، قال:

حدثني بعض آل أبي بكر أن عائشة كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله صلى الله

عليه وسلم، ولكن الله أسرى بروحه.

وقال: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبي

سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت رؤيا

من الله صادقة. قال ابن إسحاق عقيب ذلك: فلم ينكر ذلك من قولهما لقول الحسن:

هذه الآية نزلت في ذلك، قول الله - عز وجل -:] وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَتِي

أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ [(الإسراء: 60) ولقول الله - عز وجل - في الخبر

عن إبراهيم عليه السلام، إذ قال لابنه:] يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [

(الصافات: 102) ثم مضى على ذلك، فعرفت أن الوحي من الله يأتي الأنبياء

أيقاظًا ونيامًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يقول: تنام عيني

وقلبي يقظان، فالله أعلم أي ذلك كان قد جاءه وعاين فيه ما عاين من أمر الله،

على أي حاليه كان نائمًا أو يقظان كل ذلك حق صدق. هذا كلام ابن إسحاق الذي

نقله عنه ابن هشام في تهذيب سيرته، وهو ظاهر في أن ابن إسحاق لما رأى

كلمتي عائشة ومعاوية تردد في أنه كان في اليقظة أو في النوم، ولم يستطع أن

يجزم بشيء، ولكنه لم يستطع أيضًا أن ينفي ما دلت عليه الأخبار أن ذلك كان

يقظة عيانًا بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم.

أيها السادة:

إن كلمة ابن إسحاق واستدلاله بخبري عائشة ومعاوية - في غالب رأينا - هي

أول ما نقل عن العلماء المتقدمين من الخلاف في هذه المسألة، ثم جاء بعد من جَزم

بما تردد فيه، واستدلال ابن إسحاق بهذين الخبرين غير جيد، فإنهما خبران

ضعيفان ليس لهما إسناد صحيح، وقد أطلت البحث عنهما فلم أجد لهما إسنادًا غير

ما ذكر ابن اسحاق، أما خبر معاوية، فإنه منقطع؛ لأن راويه يعقوب بن عتبة بن

المغيرة بن الأخنس لم يدرك معاوية، ولم يدرك أحدًا من الصحابة أصلاً، وإنما

يروى عن التابعين فقط، ومات سنة 128، ومعاوية مات سنة 60، وأما حديث

عائشة فإنه كما ترون لا إسناد له، لأن قول ابن إسحاق حدثني بعض آل أبي بكر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير