قال الأستاذ الجديع في كتابه (ص93): (أما التعلق بالاقتران كدليل على تحريم المعازف , فتَعَلُّق ظاهر الضعف .. , دلالة الاقتران ضعيفة عند جمهور أهل الأصول). انتهى
قلتُ: لقد وقع الأستاذ الجديع في خطأ أصولي شنيع حين زعم أن دلالة الاقتران قد ضعفها الجمهور. فكشف بذلك عن مقدار علمه بعلم أصول الفقه وقواعد الاستدلال , وجهله بمواضع اتفاق واختلاف الأصوليين.
فدلالة الاقتران في حالتنا هذه – في حديث البخاري – قد أجمع العلماء على أنها حجة يجب العمل بها؛ لأنها حالة عطف مفردات: (الحِرَ والحرير والخمر والمعازف) ,
عَطَفَ المعازف , وعَطَفَ الخمر ,وعَطَفَ الحرير على الحِر – ويُقصد به: الزنا -
وكل منهم لا يتكون منه جملة مفيدة, ولا يقُوم بنفسه.
أما التي ضَعَّفَها الجمهور فهي حالة عطف الجمل التامة؛ وسيأتي تفصيل ذلك
وننقل لكم بعض تصريحات كبار العلماء بأن أهل العلم قد اتفقوا وأجمعوا على حجية دلالة الاقتران عند عطف المفردات , ومن هؤلاء الأئمة:
1 - قال الإمام الزركشي في كتابه (البحر المحيط في أصول الفقه): (دَلَالَةُ الِاقْتِرَانِ .. أَنْكَرَهَا الْجُمْهُورُ .. , وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْخُلَ حَرْفُ الْوَاوِ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، أَوْ فِعْلٌ وَفَاعِلٌ، ... كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ، وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ... وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ دُونَ الْأَكْلِ، .. أَمَّا إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ نَاقِصًا، بِأَنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْخَبَرُ فَلَا خِلَافَ فِي مُشَارَكَتِهِ لِلْأَوَّلِ، كَقَوْلِك:" زَيْنَبُ طَالِقٌ وَعَمْرَةٌ "، لِأَنَّ الْعَطْفَ يُوجِبُ الْمُشَارَكَةَ .. , وَمِثْلُهُ $عَطْفُ الْمُفْرَدَاتِ). انتهى
2 – وقال الإمام الشوكاني في كتابه (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول): (أما إذا كان المعطوف ناقصا بأن لا يذكر خبره كقول القائل" فلانة طالق وفلانة " , فلا خلاف في المشاركة , ومثله عطف المفردات). انتهى
3 – وقال العلَّامة علاء الدين البخاري في كتابه (كشف الأسرار شرح أصول البزدوي): (وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمَعْطُوفَ إذَا كَانَ نَاقِصًا, يُشَارِكُ الْجُمْلَةَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهَا فِي خَبَرِهِ وَحُكْمِهِ جَمِيعًا). انتهى
4 – وقال الإمام القرافي في كتابه (نفائس الأصول): (نَصَّ النُّحَاة على أن المعطوف يجب مشاركته للمعطوف عليه في أصل الحكم الذي سِيقَ الكلام لأجله .. فيقع الاشتراك في أصل التحريم). انتهى
وهذا يكشف حال بعض المعاصرين الذين يتصدرون للفتوى والتأليف وهم لم يتمكنوا بعد من علم أصول الفقه وقواعده , فتكون النتيجة الطبيعية لضعف المَلَكَة الفقهية والأصولية عندهم هي أنْ تصدر منهم الاستدلالات الفاسدة المريضة. فَتُسْتَبَاح بذلك المُحَرَّمات.
لقد كان من الواجب على الأستاذ الجديع أن يبذل بعض الجهد في مراجعة أُمَّهَات كُتُب أصول الفقه؛ لكي لا يرتكب مثل هذا الخطأ الأصولي الشنيع في فهم كلام علماء أصول الفقه في دلالة الاقتران.
(انظر تفصيل أكثر بكتاب [الرد على القرضاوي والجديع])
===============
شرح المقصود بدلالة الإقتران وأنواعها عند علماء أصول الفقه
يتضح مما سبق أنه يوجد نوعان من دلالة الإقتران:
النوع الأول:
وفيه يدخل حرف الواو بين جملتين تامتين كل منهما مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل
كقوله تعالى: § كلوا من ثمره إذا أثمر، وآتوا حقه يوم حصاده § [الأنعام: 14]
فالجملة الأولى هي: كلوا من ثمره إذا أثمر
والجملة الثانية هي: آتوا حقه يوم حصاده
وكل جملة منهما تامة بنفسها , أي أنها تفيد معنى حتى وإن حذفنا الجملة الأخرى
فإذا عطفنا الجملة الثانية على الجملة الأولى بحرف الواو: هنا نقول أن هناك إقتران بين الجملتين
فهل هذا الإقتران يوجب اشتراكهما واتحادهما في الحكم؟
مذهب الجمهور هنا هو أن الإقتران في هذه الحالة لا يوجب اشتراكهما في الحكم 0
النوع الثاني من دلالة الإقتران:
وفيه يكون المعطوف ناقصا بأن لا يذكر خبره, فهو لا يفيد بنفسه معنى إذا حذفنا المعطوف عليه
ومثله عطف المفردات , أي التي لا تكون جملة مفيدة
ومثال ذلك قولنا: " زينب طالق وعمرة"
فقد عطفنا " عمرة " على " زينب طالق" , وهنا نقول أن هناك إقتران بينهما
فإذا حذفنا " زينب طالق " , فإن كلمة " عمرة " المتبقية لن تفيد أي معنى لأنها بدون خبر, فهي كلمة مفردة وليست جملة مفيدة
والسؤال الآن:
هل الإقتران بين المفردات يوجب اتحادهم واشتراكهم في الحكم؟
الجواب:
لا خلاف بين علماء أصول الفقه أن دلالة الإقتران هنا توجب اتحادهم واشتراكهم في الحكم
وفي ذلك يقول الإمام الزركشي في كلامه السابق:
" أما إذا كان المعطوف ناقصا، بأن لم يُذكر فيه الخبر فلا خلاف في مشاركته للأول , كقولك: زينب طالق وعمرة، لأن العطف يوجب المشاركة 000ومثله عطف المفردات "
انتهى
ويقول الإمام الشوكاني في كلامه السابق:
" 0000أما إذا كان المعطوف ناقصا بأن لا يذكر خبره كقول القائل فلانة طالق وفلانة فلا خلاف في المشاركة ومثله عطف المفردات "
انتهى
وأخيرا جاء في حاشية كشف الأسرا ر شرح أصول الإمام البزدوي:
" أجمعوا أن المعطوف إذا كان ناقصا يشارك الجملة المعطوف عليها في خبره وحكمه جميعا "انتهى
كما هو واضح وضوح الشمس أن الأستاذ الجديع لم يكن يعلم بالفرق بين عطف الجمل التامة وعطف المفردات أو الجمل الناقصةفهو لم يستطع التفريق بين نوعي دلالة الإقتران
مما أدى به إلى الخلط والخطأ في نقل قول الجمهور
فعدم تمكنه وضعفه في علم أصول الفقه وقواعده جعله يزعم أن الجمهور أنكر حجية دلالة الإقتران , ثم قام بتطبيق ذلك في النوع الذي اتفق علماء أصول الفقه على حجية دلالة الإقتران فيه
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الخلاصة:
أحذر كل مسلم من هذا الكتاب
إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذوا دينكم
بارك الله فيكم
¥